النحو والإعراب

البحث حول هذه الآية يظهر مما مضى حول الآية السابقة من جهاته العديدة، من جهة عطفها على السابقة واستئنافها، والثاني متعين كما سبق، ومن جهة العامل في " إذا "، ومن جهة حكم الجملة بعدها، ومن جهة المفعول الذي لم يسم فاعله، ومن جهة الإشكال في وقوع الجملة نائب الفاعل، ومن جهة الجواب، ومن جهات أخر. وأما جملة (آمنوا كما آمن الناس)، فالكاف عندهم في موضع نصب، وأكثرهم على جعلها نعتا لمصدر محذوف، أي إيمانا كما آمن الناس، خلافا لسيبويه، فيجعلها منصوبة على الحال من المصدر المضمر المفهوم من الفعل (1). وأما لفظة " ما " فهي أيضا مورد الخلاف بين كونها الكافة، وكونها المصدرية، ويحتمل الموصولة شذوذا (2). والذي هو التحقيق عندي: أن كلمة " كما " بسيطة، وليست مركبة من الحرفين المستقلين في الوضع، بل هي مستقلة بالوضع، وعلى هذا يسقط النزاع الثاني، وتكون هي حرف التشبيه المقرون بالعهد، وداخلة على الجملة على وجه التشبيه، وسيظهر أنه من أي قسم من أقسام التشبيه - إن شاء الله تعالى - وليس لها محل من الإعراب، لأنها من المعاني الحرفية حينئذ. ولو فرضنا تركبها فهي مركبة من حرف التشبيه وما المصدرية، فتكون الجملة في محل الجر بها، ولا محل لها أيضا، ولا تكون صفة ولا حالا، بل هي من قبيل حرف العطف وقع بين الجملتين للربط التشبيهي، فلا تخلط.

تنبيه

يجب إفراد الفعل وتجريده إذا ما أسند إلى الجمع أو التثنية، كما قال ابن مالك: وجرد الفعل إذا ما أسندا لآثنين أو جمع كفاز الشهدا (3) ونحو قوله تعالى: (آمن السفهاء)، ولكن غير خفي أن الإفراد يكون بحسب اللفظ دون المعنى. وتوهم: أن الفعل لا يكثر دون الفاعل، فاسد، لأنه يتكثر بتكثر الفاعل إلا أن كثرة الفعل غير ملحوظة.


1- راجع مجمع البيان 1: 50، والبحر المحيط 1: 66، وروح المعاني 1: 143.

2- راجع روح المعاني 1: 143.

3- الألفية، ابن مالك: مبحث الفاعل، البيت 3.