بحث فلسفي واجتماعي
إن الخطايا التي نشاهد في المحسوسات والقوى البدنية الإنسانية تذوب بالقوى الفكرية والعاقلة الكلية، والتسويلات والاشتباهات الحاصلة في المتوسطات من المدارك الإنسانية - كالخيالات والأوهام - ترتفع وتضمحل بالعاقلة الدراكة، وفيما وقفت القوة العاقلة عن تشخيص الصلاح والفلاح، وعجزت عن درك الحقائق والوقائع، ترجع إلى الأشباه والنظائر، وتسير سير القوافل، وتهتدي بهدايات خارجة من القوى الكلية الاخر، فتستشير الآخرين في حل المعاضل والمشاكل.
وأما إذا اتفق المجتمع على الخطاء والسهو وعلى الجهل المركب، ولم يتمكن من الاهتداء إلى سبيل الرشاد، وإلى الطريق القويم والصراط المستقيم، فلابد هناك من دلالة الله وهدايته بإعلام اعوجاجهم وإعلان خطائهم، فإن التورط والتوغل في الجهل يبلغ إلى حد يرى كل فساد صلاحا، بحيث إذا قيل لهم: لا تفسدوا في الأرض، فلا يتوجهون ولا يتنبهون، وكل ذلك لامتلاء قلوبهم من الأباطيل والمفاسد، ولتمركز الصور الخبيثة في هيولاهم المحجوبة بأنواع الحجب الظلمانية، والمحرومة بأصناف الحرمانات الممكنة، ويترنمون ب? " إنا نحن مصلحون "، وليس ذلك إلا لانخراطهم في صفوف الحيوانات غير الشاعرة، فلا يشعرون شيئا ولا يهتدون. فعند ذلك، وبعد فناء القوة الرئيسة العاقلة، وبعد انسلاكهم في مسلك الجاهلين غير الملتفتين يجب على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليه تعالى أن يناديهم بأعلى الأصوات، ويخاطبهم بأي نحو أمكن، ويوجههم إلى الحق وإلى خطائهم بقوله: (ألا إنهم هم المفسدون) مؤكدا بتلك التأكيدات اللفظية، نظرا إلى ذلك. فهذه الآية تشعر بأن القوة العاقلة إذا خطئت في إدراكها، يجب وجود الشرع والوحي، حتى يخرجها من الظلمات إلى النور وإلى الفئ من الحرور. والله هو الهادي، وهو الصبور الشكور.