فرعون مثال واضح
ونقدّم فرعون كشاهد على ذلك؛ فإنّ فرعون حتّى ولو كان عارفًا، فإنه لم يكن يملك معايير لتثمير المعرفة؛ لأنه لا يملك ميزات في داخله روحيّة وإنسانية وأخلاقية، تنتج له هذه المعايير، أو تجعله يحكِّم هذه المعايير في معارفه، ويستثمرها.
بل كانت هذه الخصائص والميزات في داخل شخصية فرعون تتجه نحو السلبية العاتية والمدمّرة، فكانت خصائصه هي الجبن والشح واللؤم والضعف، التي نتج عنها حالة أخلاقية سيّئة هي الاستعلاء، الذي تجسّد في ممارساته طغيانًا وغطرسةً وغرورًا، إلى درجة إدّعاء الربوبية.
وأعطف على ذلك قصَّة إبليس، الذي انتهى به الأمر ليس فقط إلى أن لا يستعمل المعايير المطلوب استعمالها في الحالات التي تستدعي ذلك، بل هي قد أنشأت له معايير خاطئة، جعلته يسير في مسار انحرافي إلى الأبد، رغم أنه لم يكن يعاني من جهل فيما تكون معرفته ضرورية له في مثل هذه المواضع ولعل انقلاب المعايير هذا، بسبب الخلل الأخلاقي هو الذي دفع ذلك الذي آتاه الله آياته إلى أن ينسلخ منها.
قال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ (الأعراف/175) وقال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ (الجاثية/23)حيث لا شكّ في أنّ الضلال المراد هنا هو الضلال العملي. أي ضلال من ناحية العمل والسلوك، المسمّى بالانحراف السلوكي، وليس الضلال العلمي المعرفي.