بعض مسائل فقهية
إن كانت هذه الآية في موقف الآيات الأخر - كما عليه إجماع أهله - فتكون راجعة إلى حال المنافقين، الذين قالوا: آمنا بالله وباليوم الآخر، وما هم بمؤمنين، وكانوا يخادعون الله والذين آمنوا، وكان كل ذلك عن علم وتوجه والتفات، فيفسدون في الأرض بغير حق، فيجوز الإعلام بحالهم، وإعلان الجبهة الإسلامية عن سوء سريرتهم وفساد مقاصدهم وشرور أنفسهم. وهذا من الواضح الغني عن البيان. ولو كانت هذه الآية في وصف الجاهلين بإفسادهم، والقاصرين بمفاسد أفعالهم وأقوالهم، والمعذورين عن تبعات أعمالهم، فهي تدل أيضا على جواز الإعلان والإعلام وبيان إفسادهم، وتوضيح مفاسد أفكارهم وأغراضهم، ولو كانوا غير مؤاخذين بالنسبة إلى ما اعتقدوه من الصلاح والإصلاح، وكل ذلك جائز، نظرا إلى أمر أهم وموضوع آخر مهتم به في الإسلام، وهو تنفيذ الإسلام وتوجيه المخالفين، وتحكيم مباني الدين الحقيقي المقبول من كافة الناس.
وبالجملة: من مراعاة دقائق هذه الآية، ومن المداقة في نكات هذه الكلمة الشريفة، يظهر لفقيه الأمة ولفهيم الطائفة جواز القيام - عند وقوع المزاحمة في أمثال المقام - بإعلام الحق وإعلان الباطل، ونسبتهم إلى الإفساد حسب نظره ورأيه، ونسبتهم إلى الهرج والمرج والاختلال، زعما أن ذلك يؤدي إلى المصالح العامة والشؤون اللازمة الإسلامية. ففي كلمة (ألا إنهم هم المفسدون) شعار وهتاف عليهم بإعلام ضمائرهم، وإعلان أفكارهم وآثار أعمالهم، وإن كانوا لا يشعرون بكل ذلك، ويعتقدون أنهم مصلحون، فما هو المنكر واقعا يجب إنكاره وإن لم يكن منكرا عند العامل، خلافا لما أفتى به الأصحاب - رضوان الله عليهم (1) - نعم هذا في طائفة من المنكرات الهامة والمحرمات والموبقات العظيمة، كما فيما نحن فيه، دون جمع منها مما لا يجوز إراقة ماء وجه مرتكبها، لكونهم معذورين. هذا مع أن كونهم هنا معذورين محل المنع، كما مر في بحوث البلاغة.
1- راجع جواهر الكلام 21: 366.