الإعراب والنحو
و (إذا قيل لهم) استئناف في تحرير حال المنافقين. ومن الغريب ما عن الزمخشري وأبي البقاء: من تجويزهما كونه عطفا على (يكذبون) بناء على كون " ما " موصولة أو مصدرية (1)، كما حكي عن الأخفش، ولكن الإنصاف خلافه مع أن ما توهموه لا تساعد عليه القواعد الأدبية أيضا. وأما كلمة " إذا ": فتارة يراد منها إفادة أن في الزمان الماضي إذا قيل لهم، وفي العصر السابق إذا كانوا يقولون لهم لا تفسدوا في الأرض، كانوا يجيبون: إنما نحن مصلحون، فحينئذ ليست متضمنة لمعنى الشرط، بل هي تخلو عنه، وتكون وقتية ظرفية محضة. وأخرى: يراد منها أنه إذا قيل لهم أي إذا كان يقال لهم: لا تفسدوا في الأرض كانوا يجيبون كذا، فإنها - حينئذ - شرطية وقتية، وفي قوة إفادة المفهوم عند الأصوليين، وتكون النتيجة أن إظهارهم الإصلاح كان لأجل قولهم: لا تفسدوا في الأرض، بحيث إذا ما انتهوا عن الإفساد لا يقولون: إنما نحن مصلحون.
وعلى كل تقدير اختار المشهور: أن الجملة بعد " إذا " في موضع الخفض بالإضافة، والعامل فيها عندهم الجواب، ف? " إذا " في الآية منصوبة بقوله: إنما نحن مصلحون. ويظهر من بعضهم: أن الجملة لمكان كونها شرطية يكون العامل فيها ما يليها، وأن ما بعدها ليس في موضع خفض (2)، وعلى هذا إذا كانت غير شرطية يكون العامل الجملة الثانية، من غير أن تكون هي الجملة الجزائية، لظهور القضية - حينئذ - في الاتفاقية، أي إذا قلنا لهم كذا، فاتفق وقالوا: نحن كذا. والذي هو التحقيق: أن إضافة " إذا " و " إذ " مما لا أصل له، لأن الحروف لا تكون قابلة للإضافة، وهي حروف شرطية، أو في حكم الشرطية، أو تفيد المعاني الحرفية، وكونها أسماء ممنوعة عندنا، والتفصيل في محال اخر. قوله تعالى: (لا تفسدوا في الأرض) جمله إنشائية ناقصة، مقول قولهم، واختلفوا في محلها من الإعراب، أو أنها جملة مفسرة للمحذوف، وهو القول والكلام الشديد، أي إذا قيل لهم هذا الكلام الخشن وتلك الجملة الشديدة: (لا تفسدوا في الأرض قالوا...) إلى آخره.
وبعبارة أخرى: لا يمكن الإخبار عن الفعل، كما مضى تفصيله في ذيل قوله تعالى: (سواء عليهم أأنذرتهم...) إلى آخره. والذي هو الحق: أن هذه الجملة حكاية عن الجملة الإنشائية التامة، فتكون هذه ناقصة حكائية، وتلك تامة محكية بها، وما لا يمكن الإخبار عنه هي التامة المحكية، لا الناقصة الحاكية عنها، فقوله تعالى: (لا تفسدوا في الأرض) في محل الرفع، لكونه نائبا عن الفاعل للفعل الذي لم يسم فاعله، وهو " قيل "، فافهم واغتنم. ثم إن جزم الفعل لأجل لا الناهية، وعلامته حذف النون في الجمع. (قالوا إنما نحن مصلحون) جواب عن الشرطية، أو حكاية عن الواقعة الخارجية الماضية. ويؤيد الثاني حذف الفاء، فإنه دليل على أن هذه الجملة ليست في محل الجزاء للشرط، بخلاف قوله تعالى: (إذا جاء نصر الله) (فسبح بحمد ربك) فإن الفعل الماضي هناك منع عن الماضوية، بخلافه هنا، فهذه الآية وأشباهها حكايات عن القضايا الخارجية الاتفاقية، وإن لم تكن بحسب المضمون مخصوصة بمنافقين معينين وأشخاص مخصوصين منهم، كما زعموا، والإشكال المذكور في الصدر يأتي هنا بجوابه وبقية تركيب الآية واضحة. قوله تعالى: (ألا إنهم...) إلى آخره: في محل (إنهم هم المفسدون) أيضا خلاف، ذهب الجمهور إلى أنه منصوب على المفعولية لمفاد " ألا " التنبيهية. والتحقيق: أنه لا محل له، لأن كلمة " ألا " تفيد المعنى الحرفي، فالجملة بعدها تامة ليست مؤولة إلى ناقص، حتى يكون لها محل من الإعراب، و " هم " ضمير عماد وفصل ومبتدأ، والجملة الأخيرة خبر ل? " إن "، وقوله تعالى: (ولكن) عطف واستدراك وتأويله هكذا: ولكن هم لا يشعرون.
1- راجع الكشاف 1: 62، والبحر المحيط 1: 63 / السطر 26.
2- البحر المحيط 1: 64 / السطر 10.