بعض بحوث كلامية

اختلفت الأشاعرة والمعتزلة: في تجويزهم تعذيب الله تعالى عباده على ما يصنعون. فقالت المعتزلة: يجوز لأنهم الفاعلون بالاختيار، وأنكر عليهم الأشاعرة هذه المقالة، ولكنهم يجوزون مع ذلك تعذيبه تعالى، لأنه فاعل ما يشاء في ملكه (1)، وهذه الآية ربما تدل على ما اختاروه، لأن المرض الذي زادهم هو الكفر وعدم الإيمان، فإن الآية الشريفة في سلك الآيات الواردة في المنافقين، الذين هم الكفار حسب الواقع، وفي قلوبهم مرض، وهو الكفر، وازداد ذلك بفعل الله تعالى، ومع ذلك يعذبهم الله بما كانوا يكذبون.

وفيه: - مضافا إلى فساد مرامهم - أن القرآن ناطق بأن المرض الذي فيهم ليس من صنع الله تعالى، وما هو منه تعالى هو الزيادة، وربما لا تكون الزيادة إلا موجبا لتوغلهم في ظلمات بعضها فوق بعض، ولا توجب بقاءهم في كفرهم، فلو كان المراد من المرض - على الفرض - هو الكفر لا تدل الآية على أن الله تعالى يفعل فيهم الكفر، بل يزيدهم من غير إيجاب منه للكفر. هذا، مع أن لنا الأجوبة الأخرى الكثيرة المعلومة مما مر في البحوث السابقة من الاحتمالات في الآية، وفي تفسير صاحب " الحكمة المتعالية " إطالة من غير حاجة (2).

ربما يستدل بهذه الآية على فساد مقالتهم، ضرورة أن الظاهر من قوله تعالى: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم)، هو أن استحقاقهم للعذاب لأجل الكفر الغير الاختياري، أو لأجل الزيادة المصنوعة فيهم، فتكون الآية دليلا لهم، ولكن مع ذلك قال الله تعالى: (ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون)، فيعلم منه أن العذاب الأليم من تبعات كذبهم أو تكذيبهم لا المرض، فإنه أمر يحصل في وجودهم بغير اختيار وهذا من الشواهد على أن المراد من المرض ليس خصوص الكفر، بل المرض هي النقطة السوداء المنتهية إلى الكفر، وعدم الإقبال قلبا على الإيمان والإسلام. وبالجملة: تدل الآية - حسب الظاهر، وحسب عدوله عن وجه استحقاقهم الذاتي إلى الفعلي - أن الله تبارك وتعالى لا يعذب إلا على الفعل دون غيره، فتأمل جيدا.


1- راجع شرح المقاصد 5: 125 - 131، وشرح المواقف 8: 197 و 307.

2- تفسير القرآن الكريم، صدر المتألهين 1: 363 - 379.