العرفان وبعض مسائله

المسألة الأولى: كلمة " الله " اسم للذات المستجمع للكمالات من المحرر في العلوم: أن حمل كل شئ على شئ متقوم بجهة الاتحاد، ولأجل ذلك الاتحاد والمعية - بأي نحو كان - يصح الهوهوية (1)، مثلا: يصح حمل الأبيض على الجسم لأجل معية البياض معه، ويصح حمل العالم على الإنسان لأجل نوع من المعية بين الصورة العلمية والإنسان. فعلى هذا إذا قال القرآن الكريم: (هو معكم). فلنا أن نسأل عن هذه المعية: فهل هي معية أضعف من سائر المعيات المشار إليها، أم هي أقوى منها بمراتب ومراحل؟فعلى هذا يمكن حل مشكلة الآية الشريفة بترك ذكر الرسول الأعظم الإلهي، وبذكر كلمة الجلالة من غير لزوم الكفر والإلحاد، بل هذه المائدة الإلهية مأخوذة من الكتاب العزيز بحسب الكبرى والصغرى: أما الكبرى فقوله تعالى: (هو معكم أينما كنتم) (2). وأما الصغرى فلهذه الآية وسائر الآيات التي قارنت بين الاسمين وحكمت بالحكم الواحد، كقوله تعالى: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) (3) وهكذا. ولأجله ولامور اخر مقررة في فنه ذكرنا: أن ما يقال: إن كلمة " الله " اسم للذات المستجمعة لجميع الكمالات، صحيح لامرية فيه، فافهم واغتنم.

المسألة الثانية: كل خداع خداعه تعالى من الممكن أن تكون الآية في مقام إفادة: أن خداع الله وخداع الذين آمنوا ليس خداعين، بل خداعهم خداعه حسب ما يرون في مخادعتهم، وهذا هو مفاد حرف العاطف، فلا يكون هناك إلا خداع واحد يصح انتسابه إلى الكل. بل هناك نكتة أخرى: وهي أن خداعهم أنفسهم لا يخرج عن خداع الله تعالى حسب ما ظنوا وتخيلوا، ولعل قوله تعالى (ومكروا ومكر الله) (4) معناه أن المكر ليس من صفاتهم الذاتية، بل المكر أيضا من الله تعالى إلا أن مكر الله خير المكور، فإنه خير الماكرين. لست أقول هذه الأمور، إلا لنقل أذهان المشتغلين إلى نفوذ التوحيد والحق في جميع الحركات والسكنات، من غير نظر إلى حط مقامه الشامخ. نعوذ بالله تعالى من كيد الكائدين، وهو خير معين.


1- راجع الأسفار 2: 92 - 95.

2- الحديد (57): 4.

3- الفتح (48): 10.

4- آل عمران (3): 54.