بعض بحوث فلسفية

البحث الأول: حول استناد الفعل إلى الله إن المنافقين كانوا يخادعون الرسول دون الله تعالى، فنسبة ذلك إليه تعالى دليل على أن المعلول ربما يكون في موقف من القرب من العلة، بحيث يستند أفعاله وسائر نسبه إلى العلة، وذلك لا يكون على نعت المجاز والادعاء، بل العبد - كما في الحديث - " لا يزال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي به يسمع، وبصره الذي به يبصر، ولسانه الذي يتكلم به، ويده التي بها يبطش، ورجله التي بها يمشي " (1)، وإلى مثله يرجع قوله تعالى: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) (2)، وقوله تعالى: (ومن يطع الرسول فقد أطاع الله) (3)، وقوله تعالى: (إن الذين يبايعونك فإنما يبايعون الله) (4) وغير ذلك، بل النسبة إلى العلة أقوى من النسبة إلى المعلول، حسب ما تحرر في البحوث الفلسفية في الأمور العامة. إن قلت: هذا حكم كلي عام يشترك فيه جميع المعاليل، فقوله تعالى: (يخادعون) أيضا يرجع إلى أن الخادع هو الله تعالى، كما في قوله تعالى: (يخادعون الله وهو خادعهم) (5).

قلت: نعم، إلا أن في كل فعل جهة كمال وجهة نقص، فما به كماله يرجع إليه تعالى، وكل معلول فيه جهة كمال وجهة نقص، فجهة كماله من الله، وحيث إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بلغ إلى حد الكمال، ولا يشوبه إلا فقر واحد، فما وقع منه (صلى الله عليه وآله وسلم) يصح استناده إليه تعالى، قضاء لحق أن المعلول شأن العلة، وإذا كان المعلول بالغا إلى أعلى مراتب القرب والتشؤن، لا يرجع فعله إلى نفسه، بل جميع ما يقع عليه ويصدر منه يكون أقوى ارتباطا من العلة، وأما ما به جهة نقصه فهو راجع إلى نفسه، ولذلك قال: (وما يخدعون إلا أنفسهم)، فخدعتهم خدعة ترجع إلى جهات النقص والأمور العدمية والشر المحض، وهذه الأمور تقابل العلة، التي هي جهة كمال وخير محض ووجود صرف.

البحث الثاني: حول تبعات الأعمال من البحوث المحررة في مباحث النفس والمعاد: أن تبعات الأعمال والملكات من الأصول المفروغ عنها، ولا يمكن المناقشة في هذا الأصل، ويشهد له النص والشهود والبرهان، وبهذا الأصل الأصيل يشعر قوله تعالى: (وما يخدعون إلا أنفسهم)، فإن الظاهر منه أنهم خادعوا أنفسهم في الحال، فيكون وبال الخدعة وأثر المكر السيئ راجعا إليهم حين الخدعة، ولا يكون النظر إلى تعذيب المخادعين في الأزمنة المتأخرة، بل هم الآن في الخدعة وفي تبعات أعمالهم وأفكارهم وملكاتهم، ولكنهم لغاية تعمقهم في الجهل لا يحسون ولا يشعرون.


1- الكافي 2: 263 / 7 و 8، التوحيد، الصدوق: 400، الجواهر السنية في الأحاديث القدسية: 120 - 121 / 10 و 13، عوالي اللآلي 4: 103 / 152.

2- الأنفال (8): 17.

3- النساء (4): 80.

4- الفتح (48): 10.

5- النساء (4): 142.