النحو والإعراب

(يخادعون الله) جملة سيقت لبيان حال المنافقين، وتفسير لحقيقتهم ولمقصدهم، فتكون في موضع الرفع، وكأنه قيل: ومن الناس يخادعون الله. ويحتمل كونها عطفا على الجملة السابقة بحذف حرف العاطف، وهو خلاف الأصل. ومن المحتمل - كما في " المجمع " - كونها حالا للضمير الذي في قوله: (آمنا)، فيكون في موضع نصب (1). وهذا أيضا غير صحيح، لحاجة الجملة الحالية إلى الواو المحذوفة. واحتمل أبو حيان كونها جملة مستأنفة، وكأنها جواب لسؤال محذوف، وكأن سائلا يقول: لم يتظاهرون بالإيمان وليسوا بمؤمنين في الحقيقة؟فقيل: يخادعون الله (2). ولا يخفى ما فيه. واحتمل أن يكون بدلا من قوله: (يقول آمنا)، وهذا يرجع إلى عطف البيان على الوجه المحرر أولا.

وجوز أبو البقاء أن تكون حالا والعامل فيها اسم الفاعل الذي هو " بمؤمنين "، وذو الحال الضمير المستكن في اسم الفاعل (3) ويمكن أن تكون في موقع العلة لقوله تعالى: (وما هم بمؤمنين)، وتكون خبرا لمحذوف، وهو جملة " لأنهم... " أي لأنهم يخادعون الله والذين آمنوا. واحتمل أن تكون وصفا للمؤمنين، أي وما هم بمؤمنين الذين يخادعون الله، فيكون المنفي مقيدا، (وما يخدعون) عطف أو جملة حالية، والاستثناء مفرغ، أي وما يخدعون أحدا أو مؤمنا من المؤمنين إلا أنفسهم فيكون من الاستثناء المنقطع، لعدم إيمانهم. وربما يشكل دعوى: أنهم ما يخدعون أحدا إلا أنفسهم، لأن ذلك كذب وإن يكن الاستثناء - حينئذ - متصلا. اللهم إلا أن يقال: بأن هذه الجملة في موقف هتك الخادعين، وفي مقام رد فعلهم إلى أنفسهم، ففيه نوع لطف من المبالغة المليحة، فلا يعد من الكذب القبيح، وعندئذ يصح أن يقال: إن المحذوف عنوان أعم منه، فتكون الآية هكذا: وما يخدعون شيئا إلا أنفسهم وفيه نوع تحقير لهم، كما لا يخفى. (وما يشعرون) عطف أو حال. ويؤيد كون المستثنى منه عنوان غير ذي شعور، كعنوان الشئ وأمثاله، وحذف المتعلق دليل العموم، أو يكون المقصود: وما يشعرون برجوع خديعتهم إلى أنفسهم، أو أن المؤمنين من قبله تعالى اطلعوا على خديعتهم. و هذا روي عن ابن عباس (4). والله العالم بآياته.


1- راجع مجمع البيان 1: 47.

2- راجع البحر المحيط 1: 55.

3- البحر المحيط 1: 56، روح المعاني 1: 137.

4- البحر المحيط 1: 58، روح المعاني 1: 138.