النحو والإعراب

قوله تعالى: (ومن الناس) عطف على قوله: (إن الذين كفروا)، فيكون جملة (من الناس) خبرا ل? " إن " و " من " الموصول اسما لها. ويحتمل كونه خبرا والموصول مبتدأ مؤخرا. وربما يقال: إن " من " هنا للتبعيض، فيكون مبتدأ والموصول خبرا. وعلى التقديرين: تكون الواو للاستئناف والابتداء. قوله تعالى: (من يقول) في موضع الرفع بالابتداء، أو بالظرف، أو بالحرف، والضمير في " يقول " مفرد باعتبار أن " من " يطلق على المفرد والجمع، لا باعتبار لفظه، كما ترى في بعض التفاسير (1)، وسيزيدك إيضاحا من ذي قبل - إن شاء الله تعالى - كما أشير إليه آنفا. قوله تعالى: (آمنا بالله وباليوم الاخر) جملة تامة مقول القول، أو في موضع النصب بالقول، بناء على كونه عاملا عمل ظن، كما عرفت عن جماعة، فيرجع إلى أن من الناس من يظن إيمانهم بالله وباليوم الآخر، ويقول في الظاهر إيمانهم بالله وبالمعاد.

قوله تعالى: (وما هم بمؤمنين) عطف على الجملة السابقة، أو مستأنفة كما هو الأظهر، و " ما " من الحروف النافية، تعمل عمل " ليس "، وفيه نفي الحال، كما قيل (2). وقال ابن مالك: وبعد ما وليس جر البا الخبر وبعد لا ونفي كان قد يجر (3) وإرجاع ضمير الجمع إلى الموصول السابق باعتبار صحة إطلاقه على الجمع، ومن المحتمل رجوع ضمير الجمع إلى مفاد " من الناس "، لأن معناه: أن طائفة من الناس تكون كذا وما هم بمؤمنين، ولو صح ذلك لا يلزم بعض الإشكالات الآتية في البحوث التي تمر بك. مثلا: الإشكال في العدول من المفرد إلى الجمع، أو الإشكال في أن " من " الموصول لذوي العقول، فلو كان يطلق على الجمع فهو من غير ذوي العقول، وإن أطلق على الأفراد فهو من العموم البدلي، فلا يرجع إليه ضمير الجمع، وهكذا.

ومن المحتمل كون المقام من قبيل قوله تعالى: (وكانوا فيه من الزاهدين) (4)، فإن الإتيان بفعل الجمع باعتبار المعنى الاسمي ل? " من " وهو " بعض "، وهو يصدق على الكثير، فتدبر. ثم إن من المحتمل في قوله تعالى: (آمنا بالله وباليوم الاخر) كون الباء الأولى للقسم، ولذلك أعيدت الباء، وبذلك تندفع الشبهة الأخرى الآتية، وهي: أن حسب التاريخ كانت العرب إما مشركين أو كافرين في العبادة أو الرسالة، وأما الكفر بالله وإنكاره رأسا، فلم يعهد منه أثر في شبه جزيرة العرب وحين نزول الكتاب، ولأجل ذلك قلنا في الأصول: إن كلمة " لا إله إلا الله " كلمة توحيد في العبادة، دون الذات، لأنهم كانوا موحدين من هذه الجهة، ويكون المحذوف كلمة المعبود، أي لا إله معبود إلا الله، وبذلك تنحل مشكلة كلمة الإخلاص والتوحيد، فاغتنم (5).


1- انظر التفسير الكبير 2: 61، والبحر المحيط 1: 54 / السطر 24 وما بعدها.

2- مجمع البيان 1: 46.

3- الألفية، ابن مالك: مبحث ما ولا ولات وإن المشبهات بليس، رقم البيت 4.

4- يوسف (12): 20.

5- راجع تحريرات في الأصول 5: 174 وما بعدها.