الأخلاق والإرشاد

اعلم: أن الإيمان من جنود العقل، وقد تصدت الآيات الأربعة السابقة لبيان حال المؤمنين وصفة المتقين، والكفر من جنود الجهل، وقد تصدت لبيان حال الكفار هاتان الآيتان. وبعبارة أخرى: إن الإيمان من أحكام الفطرة المخمورة، والكفر من آثار الفطرة المحجوبة، وقد تقرر لأهله في محله: أن الإنسان مفطور على عشق الكمال و النفور عن النقص، فيكون متحركا ومتوجها إلى الإيمان، لأنه كمال الطبيعة والطينة ومنزجرا وفرارا عن الكفر، لأنه النقص، وهذه الكبريات مما أقيم عليها الشواهد والوجدانيات مشفوعة بالبراهين والأدلة والآثار.

والذي هو الأهم في نظر السالك، ويهتم به في السير: هو أن يتحقق العبد بصفة الإيمان، حتى لا يكون كافرا في جميع الاعتبارات وفي كافة الآفاق، وهذا الكفر هو الذي يحتجب به الإنسان بأنواع الحجب، ولا يتمكن بعد الاحتجاب من خرقها وهدمها إلا بالعناية الإلهية وبالممارسة والمجاهدة النفسانية، ولا يشرع - في حكومة العقل - أن يكتفي بالبحوث والاشتقاقات الأخلاقية، والغور في سبل الرذائل والملكات، غافلا عما هو عليه وعما في قلبه من البلايا والآفات.

فيا أيها العزيز ويا قرة عيني إياك وأن تصبح وقد اكتسبت المادة القابلة للصور الكافرة، واحتجبت الفطرة بالحجب الغليظة، فإنه عند ذلك لا يمكن أن تتخلص من العذاب الإلهي العظيم، ولا تتمكن أن تنجو من جحيم الذات السرمدي الأبدي، فما دمت مقارنا للمادة وفي الدنيا والنشأة القابلة للتغير، وما دمت شابا غير راسخة عروق وجودك في سجون الطبيعة المظلمة، تقدر على القلب والانقلاب، وتقدر على إضاءة النفس وإنارة قلبك، وتقدر على خرق الحجب، فلا تشتغل بغير ذلك، واستعن بالله العزيز وبالرب اللطيف حتى يمدك بملائكته لنجاتك وهدايتك، فلا تكون بعد ذلك ممن طبع الله على قلبه وسمعه، وختم على بصره غشاوة. فلا تأخذ بالتسويف والآمال، فإن ذلك من مكايد الشيطان وحباله وخدعه ووسوسته ونباله. ولا تيأس من روح الله وعنايته، فإنه لطيف ورؤوف بعباده، وعطوف ورحيم في مملكته وسلطانه، ولا تأخذ ولا تترنم: بأن الأمر قد مضى وقد قضي علينا بالشقاوة والنيران، فإن كل ذلك من الشيطان الرجيم ومن إبليس اللئيم. عصمنا الله تعالى من النفس الأمارة بالسوء، وندعو الله تعالى ان يعيننا على طاعته وعبادته، ويخلصنا من الزلات والشرك ومن الخواطر والمشاغل. آمين يا رب العالمين.