بحوث عرفانية ومسائل إيقانية

البحث الأول: نسبة الختم إلى الله إن في نسبة الختم إلى الله تعالى إشعارا بأن الكفار المعاندين والمحجوبين، احتجبوا بالحجاب الشامل العام، وأن قلوبهم بجميع مراتبها وشؤونها وعلى جميع إطلاقاتها المتداولة مطبوعة ومختومة، وأن الحجاب الموجود هو حجاب الله الاسم العام الجامع. وبناء على هذا تكون القلوب مراتب النفس الإنسانية التي هي برزخ بين عالم الجنة والشياطين وبين عالم الملائكة، وتكون هذه القلوب جمع القلب الذي هو معدن المشاهدة بأنواعها وأنحائها، من المشاهدة الحاصلة بالتحقق إلى المشاهدة الحاصلة بالتخيل والإحساس، وهذه القلوب وقلب كل واحد من الكفرة المخذولين قد انظلمت عن الأنوار الإلهية، وتكدرت عن انعكاس الغياثات الربانية على الوجه الذي يصح أن يقال: ختم الله، في قبال من اختتم قلبه بسائر الأسماء الجمالية أو الجلالية.

البحث الثاني: كون الختم من الأسماء إذا صحت نسبة الطبع والختم إلى الله تعالى، فيكون ذلك من الأسماء الإلهية والنعوت الكمالية الربانية، فتكون النفوس المختومة مظاهر هذا الاسم العظيم، ومتحركة إلى باطنها كسائر المجالي والمظاهر على حسب اقتضاءات الأسماء، فلا يخرج الكافر الشقي عن كونه من الآيات الإلهية، إلا أن من الآيات ما يكون مظهرا للاسم الذاتي، ومنها ما يكون مظهرا للأسماء التبعية، فإنه تعالى يوصف بأنه الذي ختم على قلوب الكفار، وجعل على أبصارهم غشاوة، إلا أن هذا التوصيف من توابع الأسماء الذاتية.

البحث الثالث: حول تقدم الختم على الكفر هل يستشم من الآية الشريفة: أنه تعالى طبع على قلوبهم فكفروا، أم يستشعر من الآية السابقة: أنهم كفروا فطبع الله على قلوبهم؟وجهان. مقتضى ما تحرر في الأساليب السالفة هو الثاني، وقضية ما تحرر في العلوم العرفانية هو الأول، وإليه يشير الخواجة عبد الله الأنصاري بالفارسية: " همه از آخر كار مى ترسند من از أول "، أي كل الناس يخافون من العواقب، وأنا أخاف من المبادئ. وغير خفي: أن الآية الثانية لا تشعر بتفرعها على الأولى، إن لم تكن في حكم العلة والسبب للحكم المزبور في الآية السابقة. والله العالم. نعم لا يثبت من الكريمة الشريفة أن الغشاوة فعل الله تعالى. وعلى هذا هنا لطيفة: وهو استناد حجاب القلب والسمع إليه تعالى دون حجاب البصر، وفيه سر كون الحجاب في الأولين معنويا واقعيا، وفي الثاني ماديا ادعائيا.