النحو والإعراب

وهنا تنبيهات:

التنبيه الأول: حول عطف الآية هذه الآية غير معطوفة بحروف العطف، إلا أن من المحتمل كونها معطوفة بالحروف المحذوفة، أي إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم، وختم الله على قلوبهم، أو فختم الله، لما أنهم متساوو النسبة إلى الإنذار وعدمه، أو ثم ختم الله، وقد أمهلهم حتى لا يكون من المسارعة المذمومة والاستعجال القبيح. ومن المحتمل كونها في حكم السبب والعلة لمفاد الجملة السابقة، أي الإنذار وعدمه بالنسبة إليهم على السواء، لأجل أن الله ختم على قلوبهم، ولكنه بمعزل عن التحقيق، لإمكان كون الاستواء علة الختم، كما عرفت فيما مضى من البحث في ذيل الآية السابقة. فعلى هذا يتعين أن تكون هذه الآية معطوفة على الآية الأولى، وأما تعيين الحرف العاطف المحذوف فهو مشكل، والكل مناسب.

التنبيه الثاني: احتمال في إعراب " غشاوة " إن من المحتمل أن تكون الآية في موقف إفادة: أن الله تعالى طبع بالطابع ووسم بالخاتم هذه الصحيفة، وهو قول الناس - مثلا - في حق الكفار: على قلوبهم، وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم غشاوة، فتكون غشاوة بالرفع مبتدأ مؤخرا لتلك الجمل الناقصة الثلاثة، أي ختم الله جملة على قلوبهم... إلى آخره، وهذا التوجيه في إعراب الآية وإن كان بعيدا حسب الأذهان البدوية الصافية، إلا أنه بذلك ينحفظ ظاهر الآية، وهو كون الجمل الثلاثة من المعطوف والمعطوف عليه.

التنبيه الثالث: خبر " غشاوة " ومن الممكن الوقف على " قلوبهم "، والابتداء بقوله: (وعلى سمعهم)، فيكون رفع " غشاوة " على الابتداء، وخبره قوله: (على سمعهم)، كما يحتمل كون جملة (على سمعهم) أيضا عطفا على السابقة، وجملة (على أبصارهم) خبرا مقدما، وفاقا لقوله تعالى في موضع آخر: (وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة) (1)، فإنه يعلم منه أن الأنسب هو الأخيرة، مع أن " الغشاوة " بمعنى التغطية، تناسب البصر المشتمل على الغطاءات التكوينية المترتبة بعضها فوق بعض، البالغة إلى سبعة، وهي: غطاء الصليبية والمشيمية والشبكية والعنكونية والعنبية والقرنية والملتحمة، فلاحظ وتدبر جيدا. ويؤيد الأول قوله تعالى: (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم) (2)، هذا، مع أن الغطاء يشترك فيه السمع والبصر، بل غطاء السمع أشهر وأعرف، وهو الصماخ، فتأمل. ومع أن " غشاوة " في الآية السابقة مفعول فعلين " ختم " و " جعل " احتمالا، أي ختم على سمعه وقلبه غشاوة وجعل على بصره غشاوة، فلا يحصل التأييد الذي ذكره التلاميذ في تفاسيرهم.

التنبيه الرابع: الجمع بين الاحتمالات ولك أن تجعل الجملة المتوسطة مشتركة، فتكون عطفا على السابقة في لحاظ وخبرا لغشاوة في لحاظ آخر، أي ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، ويكون الثاني عطفا: وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، فيكون خبرا مقدما.

التنبيه الخامس: حول مفعول " ختم " قد مر أن الحق في معنى " ختم " أنه بمعنى الفراغ والإنهاء إلى الانتهاء، يقال: ختم القرآن، أي قرأه إلى آخره، فلابد له من مفعول به، وهو على قراءة النصب واضح، أي إن الله تعالى أنهى وأبلغ على قلوبهم غشاوة قلوبهم، وهكذا إلى منتهاها، فكأنهم بنوا أركانها ومبادئها، والله تعالى أفاض صورتها، كما يأتي تفصيله في بحوث اخر إن شاء الله تعالى.

وأما على قراءة الرفع فلابد وأن نقول: إن الآية تنحل إلى هذا، وهو أن قولنا: ختمت القرآن، كما يكون بمعنى قراءته إلى آخره، كذلك يصح أن يقال: ختم (بسم الله الرحمن الرحيم ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه...) إلى آخر القرآن، فإنه أيضا يصح، فيكون المقروء مفعولا به لقوله: " ختم " في الصورة الأولى، وهي الصورة الإجمالية. إذا تبين ذلك فالأمر هنا يكون هكذا وهو: أن الناس كأنهم - وفي لسان الادعاء - كانوا يقولون ويكتبون في حق الكفار أنهم على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى بصرهم غشاوة، فقرأها الله تعالى، وختم ذلك وأنهاه إلى آخره، ولكن إنهاءه تعالى وفراغه عن قراءته وإبلاغه إلى منتهاه يكون بضرب من التكوين، وليس كقراءتنا الكتاب الإلهي، فإنهاؤه تعالى بعد حصول الاستعداد، وبعد تحقق الإمكان الاستعدادي لمبادرته تعالى إلى ختمه وقراءته، والله العالم برموز كتابه وشؤون دستوره ودقائق مسطوره وحقائق إنزاله ورقائق تنزيله، وعليه التكلان.

التنبيه السادس: إعراب (لهم عذاب عظيم) تقديم الجار والمجرور يصحح كون " عذاب عظيم " مبتدأ مؤخرا، ولك أن تجعل " لهم " متعلقا لعذاب، فيكون هكذا: عذاب لهم هو عظيم.


1- الجاثية (45): 23.

2- الأنعام (6): 46.