أنحاء القراءة واختلافها

1 - أجمع القراء السبعة على كسر الغين وضم التاء، وروي عن بعض القراء فتح الغين، وعن الحسن ضم الغين، وحكي عن المفضل وإسماعيل بن مسلم والعاصم في الشواذ: غشاوة بنصب التاء، ولا يقرأ بجميع ذلك، خلافا لبعضهم كما يأتي (1).

2 - قرأ ابن أبي عيلة: " أسماعهم "، وقالوا: الإمالة في " أبصارهم " جائزة، وقد قرأ بها، وقد غلبت الراء المكسورة حرف الاستعلاء، إذ لولاها لما جازت الإمالة (2). والمحكي عن أصحاب عبد الله: فتح الغين ونصب التاء أيضا وسكون الشين، وعبيد بن عمير مثلهم، إلا أنه رفع التاء. وقرء بعضهم: " غشوة " بالكسر والرفع، وبعضهم " غشوة "، وهي قراءة أبي حياة، وعن الأعمش: أنه قرأ بالفتح والرفع والنصب (3).

3 - عن الثوري: كان أصحاب عبد الله يقرؤونها " غشية " بفتح الغين والياء والرفع، وقال يعقوب: " غشوة " بالضم لغة، ولم يؤثرها عن أحد من القراء، وقال بعض المفسرين: " الغشاوة " كالعمامة والصمامة والعصابة والريانة وغير ذلك، كلها لأجل كونها تجئ للاشتمال تكون هكذا (4).

4 - حكي عن بعضهم " غشاوة " بالعين المهملة المكسورة والرفع، من العشى، وهو شبه العمى في العين (5).

5 - قيل: الوقف على " قلوبهم "، وقيل: الوقف على " غشاوة "، لاشتراك الكل في التغشي. وقال ابن كيسان: يجوز " غشوة " بالفتح، و " غشوة " بالضم، و " غشوة " بالكسر، وأجودها " غشاوة " بالكسر (6). أقول: لو كان هذا التلاعب المشاهد عن هؤلاء الجهلة جائزا، لكان لنا أيضا اختيار طريق إبداعي في قراءة كتاب الله، فنقرأ: " حتم الله " بالحاء، و " على قلبهم " مفردا، و " بصرهم " مفردا، وبدون تكرار الجار، وبناء على الوقف على " قلوبهم " كانت الأولى هكذا: " ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وابصارهم "، وأن نقرأ هكذا: " وعذاب لهم عظيم "، وهكذا. ومن العجيب: أن أرباب الحديث كانوا يحافظون على قراءة الأحاديث حتى لا تختلف الرواية حسب القراءة، وأما بالنسبة إلى القرآن فكان الأمر بهذا العرض العريض. فعليهم ما عليهم، لأجل الإضرار الذي رخصوه في حق الكتاب الإلهي، ذاهلين عن سراية هذا النحو من التحريف إلى سائر الأقسام منه، حتى يتمكن بعض القاصرين من الاعتقاد به نقصانا، واحتمال التحريف زيادة، وليس هذا التجاسر إلا ناشئا عن تلك العثرة، ولا يكون القول بالتحريف الممنوع إلا ترشحا عن مثل هذا الانحراف الجائز عند الكل. وغير خفي أن القارئين الذين قتل منهم في يوم واحد في وقعة بئر معونة سبعون ليسوا إلا من أبناء العامة حسب ما يظهر لي الآن ولحد الساعة والزمان، كما أن القائلين بالتحريف بالنقيصة الممنوعة أكثرهم من أبناء الخاصة آخذين بالأخبار المدسوسة من قبل أعداء الإسلام، وفيهم بعض الفرق الإسلامية الأباطيل. كما أن من العجيب تجويز فقهائنا المدققين الاتكال على قراءة القراء، والاجتزاء بالقراءات المختلفة، وقد رخص بعضهم في الاكتفاء بالقراءات الاخر (7). وكل ذلك انحراف عن جادة الحق والصراط السوي، وقد تبين فيما سلف، ويتبين - إن شاء الله تعالى - في الموقف الأنسب: أن التجاوز عن هذه النسخة الموجودة بين أيدينا من الكتاب الإلهي - التي هي النسخة المشهورة من السلف حسب التاريخ القطعي، وهي النسخة التي كانت متعارفة من العصر الأول وعصر النبي الأعظم والأمير الأفخم - غير جائز عندنا، وقضية تواتر القراءات من الأكاذيب الواضحة، كالنار على المنار، أو كالشمس في رابعة النهار، فصرف الوقت في توضيح إعراب هذه القراءات من اللغو المنهي عنه جدا.

تذنيب

(ولهم عذاب عظيم) على التوصيف بإظهار النون والتنوين، لا بالإضافة، ولا بحذف العين، لما قيل: إن النون تبين عند حروف الحلق، وهي ستة أحرف: العين والغين والحاء والخاء والهمزة والهاء، ومن هذه الأحرف ما لا يجوز فيه الإخفاء، وهي العين، كقوله: (من عند الله) (8)، و (من عليها) (9)، والهمزة نحو قوله: (غثاء أحوى) (10)، والخاء والغين يجوز إخفاؤهما عندهم على ضعف فيه من قوله: (المنخنقة) (11) و (نارا خالدا) (12) و (فإن خفتم) (13) و (من خلفهم) (14) و (ميثاقا غليظا) (15) و (ماء غدقا) (16) و (قولا غير الذي) (17). قال الشيخ في " التبيان ": قال الفراء: أهل العراق يبينون، وأهل الحجاز يخفون، وكل صواب (18).


1- راجع تفسير التبيان 1: 64، والبحر المحيط 1: 405.

2- الكشاف 1: 53، التفسير الكبير 2: 53.

3- البحر المحيط 1: 49 / السطر 28 - 29.

4- راجع البحر المحيط 1: 49.

5- البحر المحيط 1: 49 / السطر 32.

6- الجامع لأحكام القرآن 1: 191 - 192.

7- راجع العروة الوثقى 1: 502.

8- آل عمران (3): 78.

9- الرحمن (55): 26.

10- الأعلى (87): 5.

11- المائدة (5): 3.

12- النساء (4): 14.

13- البقرة (2): 229.

14- آل عمران (3): 170.

15- النساء (4): 21.

16- الجن (72): 16.

17- البقرة (2): 59.

18- تفسير التبيان 1: 66.