القراءة وبعض آدابها

1 - عن صاحب " اللوامح " قرأ الجحدري: " سواء " بتخفيف الهمزة على لغة الحجاز، فيجوز أنه أخلص الواو ويجوز أنه جعل الهمزة بين بين وهو أن يكون بين الهمزة والواو وفي كلا الوجهين لابد من دخول النقص فيما قبل الهمزة الملينة من المد. فعلى هذا لا يكون لام سواء ياء بل هو واو ويكون من باب قواء (1).

2 - وعن الخليل: " سوء عليهم " بضم السين مع واو بعده مكان الألف، مثل " دائرة السوء " على قراءة من ضم السين، وفي ذلك عدول طبعا عن معناه المحرر، وهي المساواة والعدل إلى المعنى الآخر، وهو القبح (2).

3 - حكي عن عاصم الجحدري: أنه قرأ " سواو " بواو مضمومة، لا بهمزة، وفي " التبيان ": أنه غلط، لأن العرب كلها تهمز ما بعده مدة، يقولون: كساء ورداء (3). وغير خفي: أن القياس غير جائز. نعم الظاهر أن المحكي عن الجحدري هو ما سلف، دونما في " التبيان "، وقد وقع الاشتباه، كما هو الكثير في الحكايات، ولا سيما في القراءات لما لا يعتنون بها حتى يحافظوا عليها.

4 - جمع بين الهمزتين أهل الكوفة: " أأنذرتهم "، وهم عاصم وحمزة والكسائي، وقرأ أهل الحجاز وأبو عمرو بالهمز والمد وتليين الهمزة الثانية، والباقون يجعلونها بين بين، وفصل بينهما بالألف أهل المدينة، إلا ورشا وأبا عمرو الحلواني، عن هشام (4)، وفي " المجمع ": ويجوز في العربية ثلاثة أوجه غيرها: " أأنذرتهم " بتحقيق الهمزة الأولى وتخفيف الثانية بجعلها بين بين، و " أنذرتهم " بهمزة واحدة، و " عليهم أنذرتهم " بإلقاء حركة الهمزة على الميم، نحو " قد أفلح " فيما روي عن نافع (5). أقول: لا يصح الاحتجاج على المسائل الخلافية، التي منشأ الخلاف فيها اختلاف اللهجات والقبائل في أداء الحروف والكلمات، ولو كانت القراءات المختلفة منشأ الاجتهاد، فهو أمر لان يضحك عليه خير من أن يستدل له، ولو صح ما صنعوا لكان باب الأخذ بالرأي مفتوحا للمتأخرين أيضا، فيصير الكتاب الإلهي ملعبا. أعاذنا الله تعالى من شر الشيطان الرجيم.


1- البحر المحيط 1: 45.

2- نفس المصدر.

3- تفسير التبيان 1: 62 - 63.

4- راجع البحر المحيط 1: 47 / السطر 26 وما بعده.

5- مجمع البيان 1: 41.