الكلام والعقائد وبعض بحوثهما

من الطوائف الإسلامية والفرق الشيعية الطائفة الوعيدية، وقد حكي: أن الشيخ الطوسي (قدس سره) كان منهم في بدو الأمر (1)، ومنها المرجئة الذين يقابلونهم في المرام والمسلك ويعاندونهم في الرأي والحكم، وقد اختلفوا وتنازعوا في أن وعيد الله تبارك وتعالى يتخلف، ويجوز التخلف عنه، أم لا يجوز، ويقضى عليهم ما أوعدوا عليه، من النار والعقاب والجحيم والعذاب، فالأولى على الثاني، والثانية على الأول. وربما يستدل للطائفة الأولى بهذه الكريمة الشريفة، حيث يستفاد منها انحصار الفلاح في المتقين العاملين بالصلاة والزكاة، وعلى هذا لا يكون غيرهم من المفلحين، ومن لا ينسلك في سلكهم يدخل الجحيم بالقطع واليقين (2).

وأما توهم: دلالة الآية على خلود الفاسقين، لأن دخولهم النار قطعي - كما حكي عن المعتزلة والخوارج (3) - فهو بمعزل عن التحقيق وغير حقيق بالتصديق، لأن الفاسق يمكن أن يدخل النار، وبعدما يذوق العذاب ينسلك في المنعمين. والحق: أن مسألة دخول النار وذوق العذاب لا تختص بالكافرين والمنافقين، بل يجوز ذلك حتى للمفلحين، لاختلاف مراتب الفلاح، ويجوز أن يعد أحد مفلحا في الكتاب والسنة، وناجيا في الأخبار والحديث، ويذوق العذاب في حين من البرزخ أو القيامة، وتفصيله في مقام آخر. هذا، وقد مضى إنكار دلالة الآية على الحصر. وربما يستدل للطائفة الثانية بهذه الآية الكريمة أيضا، نظرا إلى أن المفلح في الكتاب هو المتقي الموصوف بتلك الصفات العظمى وإذا ارتكب الكبائر، فضلا عن الصغائر، يكون مفلحا وقابلا لأن لا يذوق العذاب ولا يدخل النار (4). أقول: لا يكون ذوق النار ونيل العذاب إلا لأجل التنزه من الكدورات الاكتسابية، فلا تدل الآية على امتناع ذلك كما عرفت.


1- راجع الخلاصة: 148.

2- التفسير الكبير 2: 34.

3- روح المعاني 1: 117.

4- التفسير الكبير 2: 35.