النحو والإعراب

(أولئك)، خبر (الذين) بناء على كونه المبتدأ ويكون مبتدأ، وخبره جملة (على هدى)، ويمكن أن يكون (أولئك) بدلا في حكم تكرار المبتدأ بلفظة الإشارة، تأكيدا وتثبيتا لحال المتقين والمؤمنين بالغيب، ولا يعقل أن يجعل وصفا، لا لما قيل: إنه أعرف (1)، بل لما لا يمكن أن تكون المعاني الحرفية الاندكاكية نعتا للمعاني الكلية الاسمية، بل هي روابط لتضييق تلك المفاهيم الكلية وتحديدها، وهناك احتمالات أخر.

والأقوى: أن الجمل السابقة تامة يصح السكوت عليها، ولا معنى لكون (أولئك) خبرا، بل هو المبتدأ المستأنف، وخبره (على هدى) وهكذا قوله أولئك هم المفلحون. ومن الغريب: ما عن الزمخشري، حيث قال في وجه الاستئناف: إنه لما ذكر: أن الكتاب اختص المتقين بكونهم على هدى من ربهم، اتجه لسائل أن يقول: ما بال المتقين مخصوصين بذلك؟ فأجيب: بأن الذين جمعوا هذه الأوصاف الجليلة، من الإيمان بالغيب، وإقامة الصلاة، والإنفاق، والإيمان بالمنزل، والإيقان بالآخرة، على هدى في العاجل وذوو فلاح في الآجل (2). وأنت خبير: بأن السؤال بعد باق: وهو أنه ما بال المتقين مخصوصون بكونهم على هدى. فالجواب: أن الاتقاء استعداد لنيل الهداية من الله ومن الكتاب، والاتقاء سبب إعدادي لمثله. ثم إن المتقين مفلحون فعلا لا في الآجل، كما لا يخفى. وقوله: (من ربهم) متعلق بالهداية، وهذا جائز، ويكون وصفا للهدى، ومن الممكن أن يتعلق بالأفعال العامة، أي كائن من ربهم، كما احتمله أبو حيان (3)، وهو غير لازم. وقيل: " من " لابتداء الغاية، أو للتبعيض على حذف المضاف، أي من هدى ربهم، وهو أيضا غير موجه، لأن الهداية الآتية من الله تعالى هي من ربهم (4) بالأصالة وبالحقيقة، فتأمل تعرف.


1- البحر المحيط 1: 43 / السطر 8.

2- راجع الكشاف 1: 43 - 44، والبحر المحيط 1: 43.

3- البحر المحيط 1: 43 / السطر 22.

4- البحر المحيط 1: 43 / السطر 26.