القراءة وآدابها
1 - قرأ ابن هرمز، " من ربهم " بضم الهاء، وكذلك سائر الهاءات من جمع المذكر والمؤنث، من غير أن يراعي فيها سبق كسر أو ياء (1)، وقد مر بعض الكلام حوله في بحوث فاتحة الكتاب، وأن حمزة قرأ في مثل " عليهم وإليهم ولديهم " بضم الهاء، وذلك رعاية لأصله، فإن الأصل " علاهم "... وهكذا، فأقرت الهاء على ضمتها، بخلاف مثل " ربهم "، بل و " فيهم " أيضا وإن كان مسبوقا بالياء (2).
2 - الجمهور أدغم النون في الراء بلا غنة، وعليه العمل والسيرة، وذهب كثير من أهل القراءة إلى الإدغام مع الغنة، وقيل: هي رواية عن نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وعاصم ويعقوب. وقيل أيضا: أظهر النون أبو عون عن قالون، وأبو حاتم عن يعقوب. وقيل أيضا: هذه الأوجه جارية أيضا في النون والتنوين إذا لاقتا لاما (3). وأنت قد اطلعت فيما سبق بما لا مزيد عليه - في مسألة اختلاف القراء وأهل الأداء - أنه اختلاف لا يرجع إلى محصل، ولا يجوز التعدي عن القراءة المضبوطة، وعما هو الموجود بين أيدينا، حتى إلى القراءات المشهورة المعروفة. ولو كان يكفي مجرد موافقة القراءة لأدب العرب لصح أن يقرأ: أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم الفائزون... وهكذا، لأن اختلاف القراءات لا يرجع إلى اختلاف الكتاب في النزول، فإنه كتاب واحد من الله الواحد إلى النبي الوحيد الفريد (صلى الله عليه وآله وسلم). بل الحق: عدم جواز التجاوز عما هو الموجود في أيدينا إلى سائر الحركات والسكنات الناشئة من اختلاف القبائل والبلاد، مثلا: في " أولئك " لغات، فلغة أهل الحجاز على ما في " التبيان " " أوليك " بالياء، وأهل نجد وقيس وربيعة وأسد بالهمزة (4)، " أولئك " خلافا لما سبق من القرطبي (5)، وبعض بني تميم يقولون: " الاك " مشددة، وبعضهم يقول: " الالك " كما في بعض الأشعار، أفهل يجوز أن يقرأ كل قبيلة على لغتها، أم على عهدتهم أن يتابعوا قراءة الكتاب النازل؟لا سبيل إلى الأول.
تذنيب
(على هدى من ربهم) أدغمت بغنة وغير غنة، والغنة صوت خفي يخرج من الخيشوم. اعلم أن النون الساكنة والتنوين لهما ثلاثة أحوال مع الحروف في جميع القرآن:
1 - الإظهار، وذلك مع حروف الحلق.
2 - والإدغام، وذلك مع الميم نحو (هدى من ربهم) (وعلى أمم ممن معك)، ولا يجوز هنا إلا الإدغام، لاشتراك النون والميم في الغنة، هكذا اشتهر عنهم.
3 - الإخفاء، وذلك مع سائر الحروف، نحو (من دابة) و (من فيها)، وهذا عند جميع القراء إلا أبا عمر وحمزة والكسائي، فإنهم يدغمونها في اللام والراء، نحو (هدى للمتقين) و (من ربهم)، ويدغمها حمزة والكسائي في الياء، نحو (من يقول)، ويدغمها حمزة في الواو، نحو (ظلمات ورعد وبرق)، فاللام والراء والياء والواو عندهم بمنزلة الميم، ويقال لها: حروف " يرملون "، لأنها تدغم معها النون حسب المعروف.
1- راجع البحر المحيط 1: 43.
2- راجع إلى الفاتحة: الآية 7، القراءة.
3- روح المعاني 1: 116 - 117.
4- راجع تفسير التبيان 1: 60.
5- راجع الجامع لأحكام القرآن 1: 181.