إشراق عرفاني
حول خاصة الإيمان إذا تحقق الإيمان، وبلغ إلى نصاب الإيقان وميقات العرفان، يستتبعه الخاصتان: الخاصة الأولى: هو القيام الفرداني والعمل الوحداني، لأجل تكميل هذا الأمر القلبي، وإن لكل شئ يحصل هذه الخاصة على اختلاف مراتبهم ومراتب إيمانهم، فإقامة الصلاة والإتيان بالعبادة الاستكمالية عن شعور وتدبر على وجهه المحرر، لا يمكن لكل أحد إلا إذا اتصلت روحه القدسية بعالم الغيب والوحي، وهذا مما لا يتمكن منه كل أحد، فلابد من وجود النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صاحب الوحي، حتى يأتي بذلك المعجون المناسب لطبيعة الإنسان، ولمزاج الجن والإنس، ولكل مزاج يكون مبعوثا إليه.
وأما الموجودات الاخر العلوية والسفلية فهي أيضا في حركتهم الاستكمالية يحتاجون إلى الرسول والنبي حتى يخبرهم بما يعالجون به أمزجتهم، ويعدلون به روحهم وقويهم، ويأتي لهم بصلاة رافعة نفوسهم من الأسفلين أعمالا إلى الأعلين، ومن الأرذلين صفات إلى الأكملين ذاتا، وهكذا فكل موجود بما أنهم يقيمون الصلاة ويؤدون النفقات، يحتاجون إلى أحد الأمرين - على سبيل منع الخلو -: إما الإشعار الذاتي بما يليق بحضرة المولى، أو الشعور الاستكمالي بواسطة الأنبياء والأولياء. الخاصة الثانية: هو القيام بالأعمال الاجتماعية بالتدبر والإنفاق والتقدير والإعطاء والإنفاد، فيقوم بالمحافظة على غيره عن الانحرافات وصيانة الكل عن الخرافات، فينفق ما عنده من الرزق المالي والروحي، والمعنوي والمادي، والظاهري والباطني، وكل شئ يتقوم به الموجودات، فإنه لابد وأن يبذل الخير كله في طريق الخير كله، حتى يقي غيره من الشر كله، فكما أن الجملة الأخيرة عامة شاملة، كذلك الإيمان بالغيب فيه المعنى الشامل، وإقامة الصلاة أيضا كذلك، ويستشم منه أن حقيقة الإيمان هو كونه مضافا إلى الغيب، وحقيقة العبادة هي الصلاة، كما أن حقيقة الإنفاق هو القيام بأمر الغير في إيصال الخير إليه بأي نحو أمكن. والله العالم بحقائق آياته الشريفة.
تنبيه علمي
وتوضيح عياني: حول الاسم " المؤمن " و " الرازق " و " المنفق " إن من أسماء الجلالة " المؤمن "، ففي سورة الحشر (لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن) (1)، ومن الصفات الكمالية " المقيم " و " المديم "، ومن الأسماء الجمالية " الرازق " و " المنفق "، ففي سورة المائدة (بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) (2)، من غير أن يلزم من إنفاقه نقصان في سلطانه، فهذه الآية الكريمة تمثل المثال الأعلى للرب المتعال، وأن العبد المهتدي بهداية القرآن يكون مظهرا لجميع الصفات الجمالية والجلالية، ويتجلي فيه الأوصاف الكمالية، فيشارك ربه في الإيمان والإقامة والإدامة والإنفاق، التي كلها من خصوصيات الواجب بالذات، ومن توابع الوجود الصرف القائم والمقوم للهويات، فيكون مؤمنا بالغيب، أي محصلا للأمن لأجل تجلي الغيب فيه ومعاينة الحقائق الغيبية، أو لأجل أنه تعالى هو المؤمن والمصدق، فإنه تعالى من صفاته التصديق: (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق) (3)، فيكون " المؤمن " من الأسماء الجمالية، والأول - بحسب اعتبار عرفاني - أقوى، ضرورة أن العبد لابد وأن يحصل في سلوكه الجلوات الجلالية، وأن يتحقق لقيام التسبيح والتنزيه ورفض النواقص والشرور، ثم يتحلى بحلية الكمالات والتجليات الأسمائية. ثم إن الحقيقة تكون حاصلة من القلب ثم إلى البدن، ثم تنتهي إلى الأعمال الربوبية، وهو الإنفاق، فإن الإيمان من الأسماء الذاتية، والإقامة والإدامة من الأسماء الصفاتية، والإنفاق من الأسماء الأفعالية، فالعبد السالك بالحق في الحق يصل إلى مقام يماثل الحق، فيكون في الابتداء مؤمنا، ثم في الرتبة الثانية مقيما، وفي الثالثة فاعلا بإنفاق التجليات الذاتية والأسمائية، فإنه أحسن التجليات فائدة وأثرا، ومعلول تلك التحليات التي هي تتقوى بتلك التجليات، فإن الذوات الإمكانية ترتقي بإمداد الأفعال والأعمال. والله تعالى هو الموفق والمؤيد.
1- الحشر (59): 22.
2- المائدة (5): 64.
3- الفتح (48): 27.