علم العرفان والأسماء
حول الغيب
اعلم أن الإيمان بالغيب كما لا يختص به طائفة من المؤمنين، أو جماعة من الأعراب، أو ثلة من عائلة البشر أو الجن، كذلك لا يختص به الموجودات الأمرية، بل قضية ما تحرر عموم الشعور والإدراك لكافة الحيوانات وللذرات قاطبة (1)، كما نطق به الكتاب الإلهي والبرهان العلمي والشواهد الإلهامية والمكاشفات العرفانية، فهم كلهم من المؤمنين بالغيب، أو فيهم المؤمنون به والكافرون أيضا.
ثم إن العالم باعتبار كله الظهور والشهود، ولا غيب فيه حتى يؤمن به أحد، وباعتبار كله الغيب ولا شهود، لأن الغيبوبة والشهود إضافيان حسب نشأت الحشر ومراتب الكشف، فرب موجود سفلي لا يغيب منه شئ، ورب موجود علوي متفان في الإلهية، ومهيمن في الذات الأحدية، لا شهود له رأسا وكلا. وأما تقسيم العالم إلى الغيب والشهود فهو بلحاظ حال العابد والمعبود، فإذا لاحظنا العبادة والعابدية والمعبودية يحصل لنا الغيب، وهو عالم المعبود والشهادة، وهو عالم العابد، وهذا رأي الأخسرين أعمالا الذين ضلوا وأضلوا. واعلم أيضا أن الغيب المطلق - حسب مصطلحات أهل الفن - مقام العماء (2)، وقد ورد في الحديث: " إن ربي كان في العماء " (3) ومقام العمائية
مقام لا يناله أحد. عنقا شكار كس نشود دام بازگير كانجا هزار باد بدست است دام را (4) وهو تعالى في هذه المرتبة لا ظهور له ولا مظهر يخصه، بل هو كان في الغيب، وهو الآن في الغيب، ويكون إلى الأبد في الغيب، وهو الغيب المطلق، فإن الغيب لله تعالى، ويخص به دون غيره، فإن الأغيار كلها مشهودة وعاريات ظاهرة يدركها الخواص والعوام، وما هو في الأفق الأعلى ولا يشار إليه حتى بكلمة " الله "، هو الحق المتعال عن الشهود والظهور، ولا يدركه ولا يناله الأنبياء ولا الأولياء ولا الملائكة المقربون. رفتم فراز آسمان تا يابم از يارم نشان آمد ندا از قدسيان آن يار كو آن يار كو؟
1- راجع الأسفار 2: 267 - 285 و 7: 148 - 168 و 9: 243 - 273.
2- راجع شرح القيصري على فصوص الحكم: 11، ومصباح الأنس: 74.
3- راجع عوالي اللآلي 1: 54 / 79، ومسند أحمد 4: 12.
4- ديوان حافظ شيرازي: مر مطلعه.