النحو والإعراب

" الذين " في موضع الخفض على الأصح والأظهر، نعتا للمتقين، ولكنه بين كونه نعتا مخصصا ونعتا مادحا. وبعبارة أخرى: يحتمل كونه قيدا احترازيا وقيدا توضيحيا. ومن الممكن كونه في موضع الرفع على الابتداء أو الانقطاع، فإن كان على الأول فتكون أجنبية عن الآية الأولى، وعلى الثاني تكون شارحة أيضا بأحد النحوين المزبورين آنفا. ومن المحتمل كونه في موضع النصب، ولكنه غير مناسب، مع أن الأصل عدم الحذف، ولأجله لا يكون في موضع الرفع على الابتداء أيضا. وربما يتخيل: تعين مفاد المتقين في الذين يؤمنون، بناء على التوصيف، ولكنه ساقط كما مر تفصيله، فلا داعي لإفادة الآية العموم من الالتزام بكونها في موضع الرفع على الاستئناف. ثم إن الظاهر عطف الجملتين على الأولى بتكرار الموصول، ومن الممكن دعوى كون الواو حالية بحذف المبتدأ. وتظهر الثمرة في أن على العطف لزوم اجتماع الأوصاف الثلاثة غير واضح، وعلى الحالية يحصل التقييد ويلزم اجتماعها في كونها توضحية للمتقين ونعتا لها.

وأما " من " فهي كما مر للتبعيض، فيكون متعلقا بالمتأخر، واحتمال كونها زائدة ولو أمكن، ولكنه بعيد عن منساق الآية، ولا سيما بعد اختلاف مفادها، فما هو الظاهر هي للتبعيض، ويترتب عليه الأحكام والآثار الخاصة الآتية إن شاء الله تعالى. وأما الباء في كلمة " بالغيب " فيحتمل كونها للملابسة، فيكون الغيب مورد الإيمان والمؤمن به، ويحتمل كونه من قبيل قوله تعالى: (يخشون ربهم بالغيب) (1)، فيكون المعنى: الذين يؤمنون وهم الغائبون في عصر الآية، ويأتون بعد ذلك، فيؤمنون بالله ورسوله وأوليائه، ولا يرون الرسول الشاهد عليه تعالى ولا أهل بيته الدالين عليهما، أو هم يؤمنون بظهر الغيب، بخلاف المنافقين، فإنهم إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا: إنا معكم. ثم إن " ما " في قوله تعالى: (ومما) موصولة، واحتمال كونها موصوفة أو مصدرية، لا يصح حسب المتفاهم من كلام الله تعالى، الذي هو أحسن الكلام.


1- الأنبياء (21): 49.