اللغة والصرف

الآية الثالثة من سورة البقرة قوله تعالى:﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾

هنا مسائل:

المسألة الأولى: قد مر في سورة الفاتحة بحوث حول كلمة " الذين " حسب الهيئة، وبعض مسائل الكتابة ورسم الخط، فراجعوا هناك (1).

المسألة الثانية: حول معنى هيئة الفعل المضارع هيئة المضارع والاستقبال - حسب ما يتبادر من كلمات أهل الأدب - سيقت لإفادة صدور الفعل في الزمان المستقبل. ولكن الذي هو الحق: أن هيئة المضارع تفيد - حسب التبادر - معنى مقابل الماضي، وأما أنها للاستقبال، فهو ممنوع، بل هي للأعم منه ومن الحال، ولأجله قال أهل الأدب: يتوغل في الاستقبال بدخول حروف التسويف عليه، ويتمحض في الحال بدخول اللام عليه، فيكون لمعنى مشترك بينهما. وربما يقال: إن الهيئات خالية عن الأزمان، وتلتحق بها لخصوصيات زائدة على أصل الوضع، ولأجله عبر النحاة: بأن دلالتها تكون على صفة الاقتران بأحد الأزمنة الثلاثة، وهو أعم من كونها بالوضع، أو لأجل القرائن والخصوصيات. والإنصاف: أن التبادر يضاده، بل الهيئة في الماضي موضوعة للدلالة على صدور الفعل في الزمان الماضي إلا مع قيام القرينة، كما في بعض المواد مثل علم وفهم، مع أن من الممكن دعوى دلالتها على أن التلبس بالمادة في الزمن الماضي، وأما زوال المادة أو بقاؤها فهو خارج عن حدود دلالتها، وتفصيله في أصولنا المحررة (2). نعم الهيئة في الفعل المضارع لا تدل إلا على التلبس بالمادة مقابل الماضي، كما عرفت. وغير خفي: أن استعمال الأفعال الماضية في الماضي الإضافي، والأفعال الاستقبالية في الاستقبال الإضافي، لا يدل على أن الموضوع له فارغ عن خصوصيات الأزمنة.

المسألة الثالثة: حول معنى " الإيمان " الإيمان التصديق مطلقا ونقيض الكفر (3)، والإيمان يستعمل تارة اسما للشريعة الإسلامية، وأخرى في سبيل المدح، ويراد به إذعان النفس للحق على سبيل التصديق، وذلك باجتماع ثلاثة أشياء: تحقيق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بحسب ذلك بالجوارح. ويقال لكل واحد، من الاعتقاد والقول الصدق والعمل الصالح: إيمان (4). والإيمان: الثقة، آمن يؤمن إيمانا: أمنه وجعل له الأمن، ومنه توصيفه تعالى بالمؤمن (5). وآمن به: صدقه ووثق به، وآمن له: خضع وانقاد (6). وقيل: يتعدى لاثنين في باب الأفعال، كما حكي عن " الكشاف " و " المصباح " وغيره (7)، وقيل: إنه بالهمزة يتعدى لواحد، كما نقله عبد الحكيم في " حاشية القاضي " (8)، وفي " حاشية المطول ": آمن يتعدى ولا يتعدى (9). وعن بعض الفضلاء: الإيمان يتعدى بنفسه ك? " صدق "، وباللام باعتبار معنى الإذعان، وبالباء باعتبار معنى الاعتراف، إشارة إلى أن التصديق لا يعتبر بدون اعتراف (10). وقيل: أصل الإيمان الدخول في صدق الأمانة التي ائتمنه الله عليها، فإن اعتقد التصديق بقلبه كما صدق بلسانه، فقد أدى الأمانة (11). وقيل: الأصل طمأنينة النفس وزوال الخوف (12). وقيل: الإيمان تمكن الاعتقاد في القلب، وهو مأخوذ من الأمن، فكأن المؤمن يعطى لما آمن به الأمن من الريب والشك، وهو آفة الاعتقاد. أقول: هذه جملة من كلمات اللغويين وغيرهم في المقام، والذي لابد من الإشارة إليه: هو أن الخلط بين المعاني اللغوية الأولية، وبين الخصوصيات الطارئة عليها حسب كثرة الاستعمالات، أوقعهم في اشتباهات كثيرة، حتى توهموا: أن من معاني الإيمان هو التصديق بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالأركان (13)، غافلين عن تلك النكتة المشار إليها. وما هو معنى هذه المادة - بعد مراجعة الكتاب واستعمالاته وكتب أهل اللغة - وحقيقته اللغوية هو التصديق وعقد القلب، من غير خصوصية في متعلقه من الحق أو الباطل، ويشهد لذلك قوله تعالى: (الذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون) (14)، والصديق مبالغة من التصديق، بمعنى النسبة إلى الصدق، فيكون الإيمان هي النسبة إلى الأمن، فإذا قيل يؤمن بالله، أو يؤمن بالشيطان، أو يؤمن بكذا، أي يكون ما آمن به في آمن منه. ومن الممكن دعوى: أن الإيمان المتعدي بالحرف نفس العلقة القلبية والاعتقاد بذلك الشئ والاطمئنان به، فيصح - حينئذ - أن يوصف به سائر الحيوانات. فما اشتهر: أنه نقيض الكفر، غير موافق للتحصيل بحسب اللغة والوضع، فكونه مدحا فبلحاظ متعلقه، فلا يعد من الصفات الكمالية بحسب المفهوم اللغوي. وغير خفي: أن العلم بالشئ غير الإيمان به، فإن المتفاهم بل المتبادر من الإيمان بالشئ، هو العلم به مع الالتزام بآثاره ولوازمه، وربما يمكن توسعته في ناحية عدم اعتبار العلم به، بل يجتمع مع الإيمان العقلائي، فلا يلزم القطع البرهاني به والعلم الوجداني بصدقه، بل الإيمان معنى أعم من ذلك من هذه الجهة.

المسألة الرابعة: حول كلمة " الغيب " " الغيب " مصدر كل ما غاب عنك، وفي " المغرب ": ما غاب عن العيون وإن كان محصلا في القلوب، يقال: سمعت صوتا من وراء الغيب، أي من موضع لا أراه (15). وقيل: استعمل في كل غائب عن الحاسة وعما يغيب عن علم الإنسان، قال الله تعالى: (أم كان من الغائبين) (16). وقيل: مالا يقع تحت الحواس، ولا تقتضيه بداهة العقول، وإنما يعلم بخبر الأنبياء (عليهم السلام) (17). وفي " القاموس ": " الغيب الشك " (18)، وفيه خلاف، لاحتمال كون الغيب مشكوكا عند جماعة. يقال هو بمعنى الشك. وقيل: كل ما غاب عنهم، فما أنبأهم به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو غيب، سواء تقع عليه الحاسة أم لا تقع عليه. وهذا محكي عن ابن الأعرابي.

جمعه غيوب وغياب (19). أقول: الخلط بين المراد من لفظة " الغيب " في الكتاب والسنة وبين المعنى الموضوع له غير جائز، وقد وقعوا فيه كثيرا، ضرورة أن هذه اللغة مما يستعملها على نعت الحقيقة جميع الملاحدة والمنكرين لغير المحسوسات، بل الغيب والاغتياب والغيبة من المادة الواحدة وضعا ومعنى، ولا شك في أن المتبادر من الغائب هو المحسوس غير الحاضر في المجلس، فلا يقال: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غائب عنا، ولكنه يقال: إنه - عجل الله تعالى فرجه - غائب، كما ترى. ولأجل ذلك حرمة غيبة الأموات محل مناقشة عند الأحياء والأعلام. وإن أبيت عن ذلك فلا منع من دعوى الأعمية، إلا أنه يستلزم كون الغائب مما لا يدرك بالحاسة، فاللغة بحسب معناها أجنبية عما توهمه جمع من المفسرين. ومن العجيب أن بعضا من اللغوين يدسون بين الآراء التفسيرية وبين المعاني اللغوية ما لا ينبغي جدا، كما أنه قد انعكس الأمر عند أبناء التفسير وفضلاء التأويل، والكل واقع في غير محله.

المسألة الخامسة: حول كلمة (يقيمون) قام يقوم بالأمر: تولده، قام عليه: راقبه، قام على غريمه: طالبه، قام في الصلاة: شرع فيها، قام على الأمر: دام وثبت، قام الحق: ظهر. أقام بالمكان: دام فيه. وأقام الشئ: أدامه. أقام الشرع: أظهره. أقام الصلاة: أدام فعلها (20). أقول: المستفاد من اللغة أن إقامة الصلاة ليست بمعنى الإتيان بها، وفرق بين ما إذا قيل: الرجل يصلي، وبين قوله: الرجل يقيم الصلاة، وإذا قيل: " أقام الصلاة " فربما يتراءى منه أنه أزال عوجها وأحكمها، كما يستفاد من اللغة. قال في الأقرب: أقام الشئ أزال عوجه (21). انتهى. وإزالة الاعوجاج تستلزم التحكيم واستقامة الشئ طبعا. والمستفاد من استعمالات الكتاب: أن المراد من إقامة الصلاة هو الإتيان بها، وقد بلغت إلى قريب من الثلاثين، وفي أكثرها القريب من الاتفاق، قد عطف عليه قوله: (يؤتون الزكاة) وما يشبهه، وقوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس) (22) أيضا يكون في موقف إيجاب الصلاة، لا إيجاب الإقامة وعنوانها.

فعلى هذا يتوجه إشكال: بأن اللغة تكذب الكتاب استعمالا، فلابد من الالتزام بالمجازية من غير مصحح ومبرر للاستعمال ظاهرا. اللهم إلا أن يقال: إن قوله تعالى: (أقم الصلاة) وسائر مشتقاته، كناية عن الإتيان بها وإيجادها، أو إشارة إلى لزوم كونها - بعد مفروضية وجوبها ولزوم إتيانها - مستقيمة وصحيحة وخالية عن الاعوجاج. وربما يخطر بالبال أن يقال: إن الأفعال المشتقة من الصلاة ليست نصا في الصلاة المخصوص بها شرع الإسلام، والتي هي من المخترعات التشريعية الإسلامية أو غير الإسلامية. والذي هو الظاهر أو كالنص فيها هو هذا النحو من التعبير الرائج في الكتاب، مثلا هناك آيات مشتملة على تلك الأفعال، وتكون ظاهرة في المعنى الأعم منها:

1 - (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) (23).

2 - (وصل عليهم) (24).

3 - (فصل لربك وانحر) (25)... وهكذا. وإذا استعملت فعل الصلاة متعديا ب? " على " فهو بمعنى الدعاء ظاهرا، وقلما يتفق أن يكون كلمة " صل " مستعملة في الصلاة المخترعة الإلهية التي أولها التكبير، وآخرها التسليم، مثل قوله تعالى: (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا) (26). فعلى هذا يمكن أن يكون اختيار هذا النحو وتلك الكيفية لإفادة المعنى المخصوص، وأن يستأنس بتلك الطبيعة الاختراعية نفوس المسلمين وأرواح المتشرعة. والله العالم برموز كتابه ولطائف صنعه. وهنا كلام آخر وهو: أن الصلاة - كما يأتي تحقيقها - موضوعة لمعنى أعم من الصحيح والفاسد، فإذا قيل: " الذين يصلون " فهو لا يفيد - حسب اللغة - إلا الإتيان بالصلاة اللغوية، وأما قوله: (الذين يقيمون الصلاة) فهو يفيد الإتيان بها صحيحة خالية عن الاعوجاج والانحراف، قضاء لحق مفهوم الإقامة الملازم للاستقامة، فتدبر.

المسألة السادسة: حول كلمة " الصلاة " الصلاة - بحسب أصل اللغة - الدعاء والتبريك والثناء، وقد غلب استعمالها في الصورة المعروفة حتى صارت حقيقة فيها بالوضع التعيني، واكتست تلك الحقيقة، ورفضت معناها الأصلي، بحيث لا يتبادر منه ذلك إلا عند قيام القرينة. وقد قال أبو حيان: إن الأمر بالعكس (27). وهو غير واضح سبيله، وسيأتي في بحث رسم الخط ما يتعلق بالمقام. ثم إنه قد تقرر منا في الأصول تفصيلا: أن هذا النقل والانتقال كان قبل الإسلام، والإسلام طلع وتلك الصورة معهودة بين المشركين وفي شبه جزيرة العرب، وهذا المخترع الديني كان من بدو أديان المعروفة (28)، ويعرب عن ذلك بعض الآيات الشريفة:

1 - (رب اجعلني مقيم الصلاة) (29).

2 - (ربنا ليقيموا الصلاة) (30).

3 - (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) (31).

4 - (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف) (32).

5 - (قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك) (33).

6 - (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) (34)... إلى غير ذلك. ضرورة شهادتها على سبق هذه المائدة السماوية والمعجون الملكوتي على الإسلام قطعا، وكانت لفظة الصلاة تطلق عليها أيضا قبل الإسلام، فهذه اللفظة كسائر الألفاظ وضعا، فكما أن الأصل كون الموضوع له - في جميع الألفاظ - معنى عاما شاملا لجميع الأفراد، كذلك لفظة " الصلاة ". فما اشتهر بين جمع من الأصوليين: بأن الصلاة موضوعة للفرد الكامل التام الأجزاء والشرائط، كما عن الشيخ الأنصاري (قدس سره) في تقريرات جدي العلامة الكلانتر رحمه الله تعالى (35). أو عن جمع آخر: بأن الموضوع له هو الصحيح المسقط للأمر، واختلاف الأجزاء بعد اختلاف الحالات لا يضر بذلك. أو ما قيل: بأن الموضوع له هو الصحيح الجامع للأجزاء والشرائط. فكله في غير محله، وتفصيله في الأصول (36). وما هو الحجر الأساسي لحل هذه المشكلة: أن الرجوع إلى ألفاظ المخترعات اليومية الصناعية، وإلى ألفاظ الأجناس والمركبات الطبعية، وإلى ألفاظ المركبات التأليفية كالدار والبيت، وإلى جميع الألفاظ الموضوعة للمعاني والحقائق المؤتلفة يفيد أن ألفاظ المخترعات الإسلامية والمشروعات الشرعية - ولو كانت قبل الإسلام - كلها موضوعة للجامع بين الأفراد المتفاوتة كمالا ونقصا والمختلفة مراتب. وأما السؤال عن ذلك الجامع، فهو بحث طويل الذيل دقيق النظر خارج عن وضع الكتاب، وقد حررنا في محله: أن من الممكن اختلاف هذه الأمور في جوامعها، والذي هو الغالب في الجامعية هي الهيئات الفانية فيها الأجزاء (37)، فصلاة كل مكلف وإن اختلفت - لأجل اختلاف حالاتهم - بحسب الأجزاء والشرائط صلاة حقيقة، إلا مثل صلاة الغرقى، بل وصلاة الميت، فافهم واغتنم.

المسألة السابعة: حول كلمة " الرزق " رزقه الله رزقا: أوصل إليه رزقا. الرزق: ما ينتفع به، وما يخرج للجندي رأس كل شهر (38). وفي " الأقرب ": الرزق: المطر، وفي القرآن: (ما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها) (39) جمعه أرزاق (40). انتهى. وفي " مفردات الراغب ": الرزق: يقال للعطاء الجاري تارة - دنيويا كان أو أخرويا - وللنصيب تارة، ولما يصل إلى الجوف ويتغذى به تارة، يقال: رزقت علما (41). انتهى. وعن ابن السكيت: أن الرزق بلغة " أزد " الشكر، ومنه قوله تعالى: (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) (42). والذي يظهر للمتتبع: أن الكل بمعنى واحد، وهو المعنى الأعم لما يتبادر منه من الأمور المادية دنيوية كانت أو أخروية، بل له العرض العريض، فيشمل الجاه والمال والولد والعلم وسائر الأشياء، حتى يمكن أن يقال: هو تعالى رازق ورزاق، وأريد به أنه يعطي الوجود، ولو كان أخص من هذه الجهة، ولكنه لا شبهة في أعميته من جهات أخر، كإعطائه المال والجاه والعلم والأولاد، وغير ذلك من الكمالات الحقيقية والوهمية. ومن تلك الجهات: أنه أعم من كونه رزقا حسنا وطيبا أو غير حسن، فإنه أيضا رزق، كما يستظهر من الآية الكريمة (كلوا من طيبات ما رزقناكم) (43).

وغير خفي: أن المستفاد من اللغة أن كل شئ ينتفع به، فهو من الرزق، ولكن المتبادر منه خلافه، لأن الرزق ما هيئ لأن ينتفع به المرتزق، وإلا فمجرد الانتفاع به لا يورث كونه رزقا، فإذا ثبت أن الأشياء كلها خلقت لأجل بني آدم فهي كلها رزق من السماء وإلا فلا، فتأمل جيدا. ومن العجيب أن أبا حيان توهم معاني كثيرة لهيئة " فعل "، خالطا بين معاني المادة وتلك الهيئة (44)، وهذا من هؤلاء القشريين ليس بعجيب، لوقوعهم في أمثال هذه المعارك كثيرا.

المسألة الثامنة: حول كلمة " ينفقون " " أنفق " لازم ومتعد يقال: أنفق إذا افتقر وذهب ماله وفني ونفد، ومنه قوله تعالى: (إذا لأمسكتم خشية الانفاق) أي خشية النفاد والفناء، وأنفق ماله: أنفده وأفناه (45). انتهى ما عليه أهل اللغة. وقيل: أصل هذه المادة تدل على الخروج والذهاب، ومنه النافق والنافقاء (46). انتهى. أقول: الكلام هنا في مفاد " الإنفاق " مادة وهيئة: أما بحسب المادة: فهو إفناء المال وإنفاده في محل ينبغي ويليق، وفي مورد يستحسن عرفا، وليس مساوقا لقوله: ضيعه وبذره تبذيرا. فما في كتب اللغة خلاف ما هو المتبادر منه جدا، فلا يقال لمن ألقى ماله في البحر: أنه أنفقه مع صدق قولهم: أنفده وأفناه، ولا يلزم أن يكون المورد مما يستحسنه الشرع، لشهادة قوله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس) (47). وأما بحسب الهيئة: فما يتراءى من كلماتهم أنها بين اللازم والمتعدي بالهمزة، ولا يتعدى بغيرها، ولا يصح قولنا: ينفق من ماله، فلا يصح " مما رزقناهم ينفقون " حسب اللغة وما يستظهر منها، فراجع وتدبر. ولو كان " الإنفاق " من " نفق " بمعنى خرج، ومنه قولهم: نفق البيع، أي خرج من يد البائع ودخل في يد المشتري، فهو أيضا متعد بالهمزة، ولا يكون الإنفاق لازما حتى يتعدى ب? " من " في المقام. نعم هنا كلام وهو: أن كلمة " من " ليست للتعدية، بل هي للتبعيض، فإذا قيل: أنفق من ماله، فمعناه أنفق بعض ذلك، وغير خفي أن مفهوم المال ليس داخلا في حقيقة اللغة، حتى يكون مجازا إذا قيل: أنفق مما علمناه شيئا. وقد صرح بعض أرباب اللغة: بأن ذكر هذه الأمور عند تفسير اللغة لإبانة المعنى وإفهامه، ولا يتقيد به مفهوم اللغة ومعناها، فلا تغفل ولا تخلط.


1- راجع الفاتحة: الآية 6، مبحث رسم الخط.

2- راجع تحريرات في الأصول 1: 363 - 368.

3- راجع أقرب الموارد 1: 20.

4- راجع المفردات في غريب القرآن: 26.

5- نفس المصدر.

6- راجع أقرب الموارد 1: 20.

7- راجع الكشاف 1: 38، والمصباح المنير 1: 24، والتفسير الكبير 2: 23، وتاج العروس 9: 125.

8- انظر تاج العروس 9: 125.

9- نفس المصدر.

10- نفس المصدر.

11- تاج العروس 9: 125.

12- المفردات في غريب القرآن: 25.

13- المفردات في غريب القرآن: 26.

14- الحديد (57): 19.

15- راجع لسان العرب 10: 151، وتاج العروس 1: 416، وأقرب الموارد 2: 894.

16- راجع المفردات في غريب القرآن: 366.

17- نفس المصدر.

18- القاموس المحيط 1: 116.

19- أحكام القرآن، ابن العربي 1: 8 و 11.

20- أقرب الموارد 2: 1053 - 1054.

21- نفس المصدر.

22- الإسراء (17): 78.

23- التوبة (9): 84.

24- التوبة (9): 103.

25- الكوثر (108): 2.

26- النساء (4): 102.

27- البحر المحيط 1: 38.

28- راجع تحريرات في الأصول 1: 183 - 186.

29- إبراهيم (14): 40.

30- إبراهيم (14): 37.

31- مريم (19): 31.

32- لقمان (31): 17.

33- هود (11): 87.

34- الأنفال (8): 35.

35- راجع مطارح الأنظار: 7 / السطر 10.

36- راجع تحريرات في الأصول 1: 195 وما بعدها.

37- راجع تحريرات في الأصول 1: 224 وما بعدها.

38- أقرب الموارد 1: 402.

39- الجاثية (45): 4.

40- أقرب الموارد 1: 402.

41- المفردات في غريب القرآن: 194.

42- الواقعة (56): 81.

43- البقرة (2): 57.

44- انظر البحر المحيط 1: 39.

45- راجع الصحاح 4: 1560، وتاج العروس 7: 79، وأقرب الموارد 2: 1331.

46- البحر المحيط 1: 39.

47- النساء (4): 38.