اللغة والصرف

الآية الثانية من سورة البقرة قوله تعالى:﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾

وهنا مسائل:

المسألة الأولى: في معنى " ذلك " " ذا " اسم يشار به إلى المفرد القريب المذكر، وتدخله هاء التنبيه فيقال: " هذا "، و " ذاك " اسم يشار به إلى المتوسط، والكاف للخطاب، وتدخله هاء التنبيه قليلا، فيقال: " هذاك " و " ذلك "، اسم يشار به إلى البعيد، واللام للبعد والكاف للخطاب، والكاف اللاحقة بهذه الأسماء حرف: إما للتنبيه على مطلق الخطاب، فتكون مجردة مفتوحة على كل حال. تقول: كيف ذاك الرجل يا امرأة، وإما للتنبيه على حالة المخاطب، من الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، فتلحقها علامات الفروع. وقيل: " ذا " اسم إشارة ثنائي الوضع لفظا وثلاثي الأصل، وليس أحادي الوضع، حتى تكون ألفه زائدة، خلافا للكوفيين والسهيلي، بل ألفه منقلبة عن ياء، ولام فعله، خلافا لبعض البصريين، فزعم أنها منقلبة من واو من باب " طويت "، وهو مبني، ويقال فيها: ذا وذائه (1).

وعن بعض النحويين: أن المشار إليه ينقسم إلى قريب وبعيد، ولا حد متوسط بينهما، فمتى كان مجردا عن اللام والكاف، فهو للقريب، وإلا فهو للبعيد (2). وعن جماعة من أهل العربية - كالأخفش وأبي عبيدة - إنكار كون " ذلك " للبعيد وضعا وإن كان في البعيد أكثر استعمالا (3)، وقال الفخر: لا نسلم أن لفظة " ذلك " لا يشار بها إلا إلى البعيد، فإنه و " هذا " حرفا إشارة، وأصلهما ذا لأنه حرف للإشارة. ومعنى ها للتنبيه، فإذا قرب الشئ أشير إليه، فقيل: " هذا "، أي تنبه أيها المخاطب لما أشرت إليه، فإنه حاضر لك بحيث تراه. وقد تدخل الكاف على " ذا " للمخاطبة واللام لتأكيد معنى الإشارة، فقيل: ذلك.

وهذا يشهد على أن لفظة " ذلك " لا تفيد البعد في أصل الوضع (4). انتهى. أقول: مقتضى ما تحرر في محله: أن أسماء الإشارة لا أصل لها، بل هي - بحسب المصداق والخارج - معان حرفية (5)، وإذا لم يكن بين المعاني الحرفية جامع ذاتي، فلا يعقل كون " ذا " موضوعا لمطلق الإشارة الأعم من القريب والبعيد، ولو سلمنا ذلك، ولكن المتبادر من اللغة والعرف، أن كل واحد من هذه الكلمات ذات وضع شخصي لا نوعي، فيكون " هذا " موضوعا بوضع على حدة، و " ذاك " بوضع ثان، و " ذلك " بوضع ثالث ولو بالوضع الشخصي التعيني دون التعييني، وحصل بالاستعمالات العربية هذه الأوضاع لتلك الألفاظ والقوالب، فكون " ذلك " للبعيد مقابل الحاضر مما لا يكاد ينكر بالضرورة، وأما أنها للبعيد مقابل المتوسط الغائب فهو أمر غير ثابت.

وما هو الأظهر: أن حروف الإشارة بين ما تختص بالحاضر وما تختص بالغائب، ولا يكون فيها ما هو المشترك بينهما، كما لا يوجد مثل ذلك في الضمائر أيضا، وهذا من الشواهد على عدم وجود الجامع بين هذه المعاني، أو عدم لحاظ الواضع ذلك الجامع لوضع لفظة له. ومن العجيب: أن الفخر - رجما بالغيب - يقول: إن اللام في " ذلك " للتأكيد (6)، وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، ولا داعي إلى هذا الخرص. فعلى ما تقرر تبين: أن كون الهاء للتنبيه أيضا مما لا أصل له، بل " ذا " و " هذا " للإشارة، كما أن " تا " و " تي " و " ذي " أيضا للإشارة إلى المؤنث، قال ابن مالك: بذا لمفرد مذكر أشر بذي وذه تي تا على الأنثى اقتصر (7) نعم، قد تحرر منا في مباحثنا الأصولية: أن في كافات الخطاب ما يلتحق بحروف الإشارة (8)، كقوله تعالى: (قالت فذلكن الذي لمتنني فيه) (9)، وهذا كثير في الكتاب العزيز، ولكن ليس كاف " ذاك " و " ذلك " من هذا القبيل، فإن بلحوقهما ب? " ذا " يختلف كيفية الإشارة، لا كيفية المشار إليه، فافهم واغتنم. إن قلت: إذا قيل: " ذلكم الرجل الذي فيه تمترون " يكون " كم " جمع " ك "، فلا يبقى إلا " ذا "، وهي للإشارة. قلت: بل يبقى معها اللام، ولا يقول أحد بأن " ذال " للإشارة إلى البعيد، فيعلم منه أن إحدى الكافين حذفت، أو يجوز الإدغام فيقرأ مشددا، فلا يمكن من هذا الطريق استكشاف أن الكاف في " ذلك " للخطاب وللإعلام بكيفية المخاطب إفرادا وتذكيرا.

المسألة الثانية: في معنى " الكتاب " " الكتاب " ما يكتب فيه، وهو المصدر غير المقيس، وقيل: هو اسم كاللباس عن اللحياني (10)، وقيل: أصله المصدر، ثم استعمل في المعاني المختلفة (11)، كالصحيفة والفرض والحكم وغير ذلك، ويجمع على كتب وكتب، ومصدر قياسي ل? " كاتب يكاتب كتابا "، ولعل أهل اللغة اشتبه عليهم الأمر، وتوهموا: أن الكتاب مصدر " كتب " غافلين عن أنه مصدر " كاتب "، والمكاتبة وإن كانت مفاعلة، ولكنها ليست كالمضاربة، بل هي كالمقاتلة من (قاتلهم الله أنى يؤفكون)، فيكون من طرف واحد، وهذا هو الكثير في هيئة باب المفاعلة حتى أنكر بعض أصحابنا ذلك في تلك الهيئة، فالكتاب مصدر " كاتب " بمعنى " كتب " قياسا. ثم إن ظاهرهم أنه بمعنى المكتوب، ولكنه بمعزل عن التحقيق بل هو اسم مصدر، وقد تداول وتعارف في عرف العرب استعمال المصادر مكان اسم المصدر، بحيث عد اسما من غير مجازية.

وأما إرادة ما يكتب فيه من الكتاب: فهو إما مجاز، أو من الاشتراك اللفظي، ضرورة أن ما يكتب فيه هو الموجود الخارجي ومن الأعيان، والكتاب والكتب حدث حال فيه. ولعل تفسيره بما يكتب فيه أيضا من اشتباه اللغويين (12) المورث لغلط المفسرين، ومنشأ هذا الاشتباه هو تفسير الكتاب بالمكتوب ثم تفسير المكتوب بالصحيفة، وهي التي تقع فيها الكتابة، فلاحظ واغتنم جدا. ثم إن حقيقة الكتابة - كما في " الراغب " - ضم أديم إلى أديم بالخياطة يقال: كتبت السقاء، وكتبت البغلة جمعت بين شفريها بحلقة، وفي المتعارف ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط، وقد يقال ذلك للمضموم بعضها إلى بعض باللفظ، فالأصل في الكتابة النظم بالخط، ولكن يستعار كل واحد للآخر، ولهذا سمي كلام الله تعالى - وإن لم يكتب - كتابا (13). انتهى.

ومن هنا ينتبه العاقل واللبيب: إلى أن إطلاق الكتاب على النفس وعلى الفلك وعلى العالم وأمثال ذلك، ليس من المجاز حسب اللغة، فإن العالم كله كتاب الله. وقيل بالفارسية: بنزد آنكه جانش در تجلى است همه عالم كتاب حق تعالى است عرض اعراب وجوهر چون حروف است مراتب همچو آيات وقوف است از أو هر عالمي چون سوره خاص يكى زان فاتحه وآن ديگر اخلاص (14) وإلى هذا يرجع قوله تعالى: (إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) (15) وغيره من الموارد الكثيرة في الكتاب العزيز، وهكذا ما نسب إلى مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين: وأنت الكتاب المبين الذي بأحرفه يظهر المضمر (16) وهكذا عن مولانا الصادق (عليه السلام): " الصورة الإنسانية هي أكبر حجة الله على خلقه، وهي الكتاب الذي كتبه الله بيده " (17). لا يقال: مقتضى ما أفاده الراغب ويستظهر من الآخرين أن الكتابة هي ضم بعض أجزاء الشئ إلى بعض، وهذا لا ينطبق على مثل الصورة الإنسانية والعقل والنفوس الكلية التي هي بسائط. لأنا نقول: هذه الأمور أجزاء العالم الكلي والعالم الكلي مركب، وإطلاق الكتاب على العالم بهذا الاعتبار، وأما وجه إطلاقه على هذه الأمور بحذاء الإنسان الكل والكبير، فهو لأجل كونها في وحدتها كل القوى، وفيها الصور العلمية بالإجمال والتفصيل، وفيها نقوش جميع الخلائق والأعمال والأفعال، بنحو الاندماج في عين التفصيل والكشف، فكل كتاب، ويصح إطلاق الكتاب على كل واحد منها، لأجل أنه جزء من العالم الكبير، وهذا من خواص المركبات الاعتبارية، فليتدبر. ومن العجيب: أن أبا حيان وبعضا آخر ك? " تاج العروس " وغيره توهموا: أن الكتاب يطلق بإزاء معان:

1 - العقد المعروف بين العبد وسيده على مال مؤجل منجم للعتق (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم).

2 - وعلى الفرض (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا).

3 - وعلى الحكم، قاله الجوهري، كما في قوله: " لأقضين بينكما بكتاب الله كتاب الله أحق ".

4 - على قدر الله.

5 - وعلى المكتوب كالحساب بمعنى المحسوب (18). انتهى. وأنت خبير بما فيه من الاختلاط، فإن الكل مصاديق المعنى الواحد ولا يعد مثله من اختلاف المعاني لكلمة واحدة، كما هو الظاهر.

المسألة الثالثة: في معنى " لا " " لا " كما عرفت فيما مضى عند قوله تعالى: (ولا الضالين) لمعان منها النفي، وربما يطلق في مقام النهي، فيكون نفيا حسب الإرادة الاستعمالية، ونهيا حسب الإرادة الجدية قال تعالى: (لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) (19) فإنها نفي صيغ لإفادة النهي، أو لإفادة المعنى المستلزم للنهي.

المسألة الرابعة: في معنى " ريب " " الريب ": الحاجة والظن والشك والتهمة، كالريبة - بالكسر - وريب المنون: صروف الدهر، والريبة في الأصل قلق النفس واضطرابها جمعها ريب، وفي الحديث: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " (20) بالفتح والضم.

وقيل عن الأول للثاني: عليك بالرائب من الأمور، وإياك والرائب منها، والأول هو الرائب من الألبان، وهو الصافي منها، والثاني الأمر الذي فيه الشك والشبهة. وفي " الراغب ": يقال: رابني كذا، وأرابني، فالريب أن تتوهم بالشئ أمرا ما فينكشف عما تتوهمه (21). انتهى. وقد استعمل القرآن العزيز هذه اللفظة باشتقاقاتها في كثير من الآيات، والحاصل من التدبر فيها أحد الأمرين: إما الالتزام بأنه مشترك لفظي بين الشك والظن والتهمة، أو الشك مع التهمة، كما صرح به ابن الأثير (22). وأما الالتزام بأن معناه واحد، وهو ضد اليقين وخلاف العلم، سواء كان شكا متساوي النسبة - حسب الاصطلاح - أو ظنا، وسواء كان مقارنا مع التهمة أو غير مقارن، فإذا قيل: " دع ما يريبك " فمعناه: أنه اطرح ما لا يقين فيه، وما يورث وقوعك في ما لا علم به. والذي يظهر من التفتازاني، أنه من الأضداد، لقوله بالفارسية: ده لفظ از نوادر ألفاظ برشمر هر لفظ را دو معنى آن ضد يكدگر وقد عد منها كلمة " الريب "، وما هو الأقوى والأرجح من اللغة وموارد استعماله هو الثاني، بل كونه بمعنى الحاجة خلاف التحقيق وإن صرح به " القاموس " وغيره (23). وما في الحديث: " إن اليهود مروا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال بعضهم: سلوه، وقال بعضهم: ما رابكم إليه " (24)، فمعناه: ما أقلقكم إليه وأوقعكم في الشك بالنسبة إلى نبوته، فإن في السؤال عنه تلميح إلى الريب في رسالته. والعجب: أن أصحاب اللغة غفلوا عن معنى الحديث، وظنوا أنه بمعنى الحاجة (25) هنا، فإذا قيل: لا ريب في كذا، فلا نحتاج في نفي الشك والظن والاتهام إلى التمسك بذيل استعمال اللفظ الواحد في الأكثر من معنى واحد، ولا إلى أن المراد منه الشك فغيره منفي بالأولوية القطعية، بل المنفي كل ما كان خلاف اليقين والعلم. والله الهادي.

المسألة الخامسة: في معنى " هدى " " الهدى "، قد مر ما يتعلق بمعناه عند قوله تعالى: (إهدنا الصراط المستقيم)، والذي هو مورد النظر هنا، هو أن " الهدى " على وزن " فعل " قليل في المصادر، وعن أبي علي: يجوز أن يكون " فعل " مصدر اختص به المعتل (26)، وهو - حسب ما يتراءى - غير بعيد، لأن منه السرى والبكى. وزعم بعض أكابر نحاتنا: أنه لم يجئ من " فعل " مصدرا سوى هذه الثلاثة (27)، وهو في محل المنع. وقد حكي عن الشيخ اللغوي رضي الدين الشاطبي: أن العرب قالت: لقيته لقى، وأنشد بعضهم: وقد زعموا حلما لقاك ولم أزد... إلى آخره (28). وفي " القاموس " وشرحه: أتقيه تقى كهدى (29). وفعل يكون جمعا معدولا وغير معدول، ومفردا وعلما معدولا وغير معدول، وغير ذلك، مثل جمع وغرف وعمر وادد ونفز وفسق وحطم. واختلفوا في تذكيره وتأنيثه، والأشبه هو الأول - وقال الفراء: إن بني أسد يؤنثونه، يقولون: هذه هدى حسنة - وهو مختار اللحياني (30). ويكفي ردا عليهم: أنها استعملها القرآن مذكرا في المواضع غير العزيزة: (قل إن هدى الله هو الهدى) (31)، (ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده) (32)، وفي كونه حالا للمذكر أو خبرا له أيضا شهادة على تذكيره، فراجع. نعم يجوز لنا اختيار الوجهين فيه جمعا بين الشواهد، فتأمل. قال ابن سيده: الهدى اسم من أسماء النهار، لأن الناس يهتدون فيه لمعايشهم وجمع مأربهم، ومنه قول ابن مقبل: حتى استبنت الهدى والبيد هاجمة يخشعن في الآل غلفا أو يصلينا (33) وقيل: هذا البيت ساقط في جميع الأصول والزيادة، من " اللسان " في مادة " هدى "، ومن " البحر المحيط " لأبي حيان في المقام. والأمر واضح، فإن إطلاق " الهدى " على النهار كإطلاقه على القرآن أو التوراة والإنجيل، وكإطلاق النور عليها، ونظير إطلاقه على أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعلى الإنسان الكامل، فإنه لا يوجب كون اللفظ ذا معان كثيرة، وأما كونه حقيقة أو نوع مجاز، ففيه خلاف مضى تفصيله في البحوث السابقة.

المسألة السادسة: في معنى " المتقين " " المتقين ": وقاه يقيه وقيا ووقاية وواقية - يائي: ستره من الأذى، وحماه وحفظه وصانه، فهو واق، ومنه قوله تعالى: (ما لهم من الله من واق) (34) وتوقى، توقيا، واتقاه اتقاء، حذره وخافه، وأصل اتقى اوتقى، قلبت الواو تاء وأدغمت، فلما كثر استعماله على لفظ الانتقال، توهموا أن التاء من نفس الحرف، فجعلوه اتقى يتقي بفتح التاء فيهما، ثم لم يجدوا له مثالا في كلامهم يلحقونه به، فقالوا: تقى يتقي مثل قضى يقضي - تقى وتقية وتقاء، والاسم التقوى، وتقول في الأمر: تق، وللمرأة تقي، كقوله: تق الله فينا والكتاب الذي تتلو بني الأمر على التخفيف، واستغني عن الألف فيه بحركة الحرف الثاني في المستقبل، وقد قالوا: ما أتقاه لله، أي أخشاه، كقوله: ومن يتق فإن الله معه، فإنما ادخل جزم على جزم، للضرورة، هكذا عن " الصحاح " في " تاج العروس " مع زيادة في " الأقرب " (35). وقال ابن بري - عند قوله: مثل قضى يقضي -: أدخل همزة الوصل على " تقى " والتاء متحركة، لأن أصلها السكون، والمشهور تقى يتقي من غير همزة وصل لتحرك التاء (36). وقد أنكر أبو سعيد تقى يتقي تقيا، وقال: يلزم في الأمر اتق (37)، غافلا عما التزموا به، كما عرفت من " الصحاح ". قال عبد الله بن همام السلولي: زيادتنا نعمان لا تنسينها تق الله فينا والكتاب الذي تتلو (38) وأنشد القالي: تق الله فيه أم عمرو ونولي مودته لا يطلبنك طالب (39) وفي الشهادة إشكال، لجواز حذف همزة الأمر عند الضرورة.

وقال في " التهذيب ": اتقى كان في الأصل اوتقى، والتاء فيها تاء الافتعال، فأدغمت الواو في التاء وشددت، فقيل: اتقى، ثم حذفوا الف الوصل والواو التي انقلبت تاء، فقيل: تقى يتقي، بمعنى استقبل الشئ وتوقاه (40). انتهى. ويؤيد هذا المعنى ما تعارف في الحرب، ويقال - كما في الحديث -: " كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " أي جعلناه وقاية من العدو، واستقبلنا العدو به، وقمنا خلفه وقاية (41). ومؤلف " التهذيب " ظن أنه هذب اللغة بالتفصيل المزبور غفلة عن الحال جدا، ويأتي زيادة تحقيق حول كلمة " التقوى " في محله إن شاء الله تعالى. وعلى كل تقدير: المتقين جمع المتقي، وهو المفتعل، والموتقيين باليائين المفتعلين، ومن الحذف والإدغام وسقوط إحدى اليائين صار المتقي والمتقين، والمعنى حسب اللغة واضح. وربما يتخيل له حقيقة شرعية وظهور ثان في الاتقاء عما حرم الله واحتمل حرمته، وهو في غير محله. والافتعال هنا: إما بمعنى الاتخاذ، أو بمجرد الفعل، فيكون كابتسم، وهو من المعاني الاثني عشر التي جاءت لها افتعل: وهي الاتخاذ، والتسبب، وفعل الفاعل بنفسه، والتحير، والخطفة، ومطاوعه افعل وفعل، وموافقه تفاعل وتفعل واستفعل، والمجرد والإغناء عنه، ومثال الكل: أطبخ، واعتقل، واضطرب، وانتخب واستلب، وانتصف مطاوع أنصف، واغتم مطاوع غممته، واجتور وابتسم واعتصم واقتدر واستلم الحجر (42). انتهى ما أفاده أبو حيان. ولنا فيه أنظار لا يسعها المقام، وإجماله: أن كثيرا من هذه المعاني ترجع إلى معنى واحد، واختلاف الدواعي وخصوصيات موارد الاستعمال لحقت بالموضوع له، فتوهموا أن الموضوع له كثير، وهو ممنوع جدا. ومن العجب أنه لم يتعرض لافتعل المبالغة كاكتسب، ومن القوي كون المتقين هنا للمبالغة.


1- راجع البحر المحيط 1: 32.

2- انظر البحر المحيط 1: 32.

3- تفسير التبيان 1: 52.

4- التفسير الكبير 2: 13.

5- تحريرات في الأصول 1: 130.

6- التفسير الكبير 2: 13.

7- الألفية، ابن مالك: بحث اسم الإشارة، البيت 1.

8- راجع تحررات في الأصول 1: 132 - 136.

9- يوسف (12): 32.

10- تاج العروس 1: 444.

11- نفس المصدر.

12- راجع تاج العروس 1: 444.

13- المفردات في غريب القرآن: 423.

14- گلشن راز، شبسترى.

15- الإسراء (17): 14.

16- الديوان المنسوب إلى الإمام (عليه السلام): 103.

17- المجلي، الإحسائي: 169، 259، الصافي 1: 78.

18- راجع البحر المحيط 1: 32، وتاج العروس 1: 444، وأقرب الموارد 2: 1063.

19- البقرة (2): 197.

20- عوالي اللآلي 3: 33 / 214 وراجع وسائل الشيعة 18: 122 كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 12، الحديث 38، ومسند أحمد 3: 153.

21- المفردات في غريب القرآن: 205.

22- النهاية، ابن الأثير 2: 286.

23- القاموس المحيط 1: 80، أقرب الموارد 1: 449.

24- لسان العرب 5: 386، تاج العروس 1: 283.

25- النهاية، ابن الأثير 2: 287، لسان العرب 1: 443.

26- مجمع البيان 1: 35.

27- البحر المحيط 1: 33، روح المعاني 1: 100.

28- راجع البحر المحيط 1: 33، وروح المعاني 1: 100.

29- القاموس المحيط 1731، تاج العروس 10: 396.

30- راجع الجامع لأحكام القرآن 1: 160، والبحر المحيط 1: 33، وروح المعاني 1: 100.

31- البقرة (2): 120، الأنعام (6): 71.

32- الأنعام (6): 88.

33- البحر المحيط 1: 33، لسان العرب 15: 355، تاج العروس 10: 406.

34- الرعد (13): 34.

35- الصحاح 4: 2526 - 2527، تاج العروس 10: 396، أقرب الموارد 2: 1479.

36- راجع تاج العروس 10: 396.

37- نفس المصدر.

38- نفس المصدر.

39- راجع تاج العروس 10: 396.

40- نفس المصدر.

41- نفس المصدر.

42- البحر المحيط 1: 34.