خاتمة تشتمل على رموز ونكت

النكتة الأولى: حول عدد السبع قد سبق أن آيات هذه السورة المباركة سبعة، وفاقا لما عليه الكتب المخطوطة وغير المخطوطة القديمة والحديثة. واعلم أن عدد السبع من الأعداد... جاءت وسارت في العالم الكبير والصغير، وفي الكون الجامع، وفي المعجون الملكوتي الذي اكتشف بالكشف التام الأحدي الأحمدي المحمدي (صلى الله عليه وآله وسلم). فالعوالم الكلية سبعة: عالم اللاهوت، والجبروت، والملكوت العليا، والملكوت السفلى، وعالم النفوس الكلية المعلقة، والنفس الجزئية، وعالم الناسوت. وعوالم الإنسان الصغير سبعة: عالم الطبع، وعالم النفس، والقلب، والروح، والسر، والخفي، والأخفى. والأعضاء الرئيسة في الأبدان سبعة: الرأس، والصدر، والبطن، واليدان، والرجلان. والقوى المجردة سبعة: العقل، والنفس، والباصرة، والسامعة، والذائقة، والشامة واللامسة. وتكبيرات الافتتاحية سبعة، وأعمال الصلاة الواجبة بالاتفاق سبعة: النية، وتكبيرة الافتتاح، والقراءة، والركوع، والقيام المتصل بالركوع والسجود، والتشهد.

ومراتب خلقة الإنسان سبعة، وأطوارها سبع، كما قال الله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما، فكسونا العظام لحما، ثم أنشأناه خلقا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين) (1)، ولذلك ولأجل ذاك قيل: نور آيات الفاتحة يسري من ألفاظه المسموعة إلى أعمال السبعة الظاهرة، ومنها إلى المراتب السبع الإنسانية المعبر عنها باللطائف السبعة (2). هفت شهر عشق را عطار گشت ما هنوز اندر خم يك كوچه أيم وتكون تلك السبع الروحية المتأخرة انعكاس السبعة المادية المتقدمة، والأخيرة تستكمل بتلك السبعة الأعمالية. وبالجملة: السماوات سبعة، والسيارات المرئية بالباصرة سبعة، وطبقات الأرض سبعة، والأرضون سبعة، والأقاليم سبعة، والألوان سبعة، وبنات النعش سبع، وما يرى في الثريا بالباصرة سبع، وحجب الباصرة سبع: صلبية، مشيمية، وشبكية، وعنكبوتية، وعنبية، وقرنية وملتحمة. والقراء سبعة، وأصحاب الكهف وهم: يمليخا، ومكشلينيا، ومشلينيا، ومرنوش، وديرنوش، وشاذنوش، ومرطونش سبعة.

والأخيار سبعة: قطب، وغوث، وأخيار، وأوتاد، وأبدال، ونقباء، ونجباء وفي بعض العلوم: الأجساد سبعة: الحديد، والمس، وروح توتيا، والسرب، والطلا، والقلعى، والفضة. والحروف المائية سبعة: الجيم، والزاي، والكاف، والسين، والقاف، والثاء، والظاء. والحروف النارية سبعة: الألف، والهاء، والطاء، والميم، والفاء، والشين، والذال. والحروف الترابية سبعة: الدال، والحاء، واللام، والعين، والراء، والخاء، والغين. والحروف الهوائية سبعة: الباء، والواو، والياء، والنون، والصاد، والتاء، والضاد. والحروف الاستعلائية سبعة: الخاء، والصاد، والضاد، والغين، والطاء، والقاف، والظاء. وأعضاء البطن سبعة: المعدة، والطحال، والكبد، والرئة، والقلب، والمرارة، والكلية.

والخطوط في جام جم سبعة: خط جور، وخط بغداد، وخط البصرة، وخط أزرق، وخط العبرة، وخط صانع الكأس، وخط فرودينة. ومواضع السجود سبعة، ومواضع الزينة سبعة، وأيام الأسبوع سبعة، وأفعال القلوب سبعة: حسبت، وظننت، وخلت، وعلمت، ورأيت، ووجدت وزعمت. وأنواع الخط سبعة: الثلث، والمحقق، والتوقيع، والربجان، والرقاع، والنسخ، والتعليق. ووجوه الصرف سبعة: الصحيح، والمثال، والمضاعف، واللفيف، والناقص، والمهموز، والأجوف. وسواقط الفاتحة - أي الحروف التي لم تذكر فيها - سبعة: ز، ث، ف، ظ، ج، خ، ش. وسيأتي مزيد تحقيق حول هذه الأخيرة. وإمكان المناقشة في بعض غير مسدود، ولكن الذي يحصل من المجموع تطبيق في كتاب التدوين على التكوين، وانطباق التشريع على الطباع، والطباق الكلي بين الكتب الصغيرة والكبيرة والقانونية. ومن هنا ربما يستخرج كيفية اشتمال الفاتحة على الكل، كما يستظهر اتحاد العترة والكتاب من أن عدد الأئمة الاثني عشر الذين هم يسمون بمحمد وعلي سبعة، وسيأتي في مقام آخر كيفية الاتحاد على نعت الحقيقة إن شاء الله تعالى.

النكتة الثانية: حول انفتاح أبواب الجنة الثمانية عند القراءة أن أبواب الجنة ثمانية، ينفتح كل باب منه عند القراءة، فإذا وصل السالك إلى الاستعاذة، بعد ما دخل في حريم الله تعالى بافتتاح التكبيرات السبع الافتتاحية، وبعد ما ترنم بتوجيه القلب إليه تعالى تبعا لإبراهيم الخليل، وقال: " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة " ينفتح له الباب الأول، وهو باب المعرفة برفض جنود إبليس والحجب النورانية، وبالتحلي بحلية التوحيد الفعلي، لقطع آثار القوة الوهمية الباطلة والخيالية الراسمة وإذا قال (بسم الله الرحمن الرحيم) ينفتح له باب الذكر، وبقوله (الحمد لله رب العالمين) ينفتح له باب الشكر، وبقوله: (الرحمن الرحيم) ينفتح له باب الرجاء، وبقوله (مالك يوم الدين) ينفتح له باب الخوف، وبقوله: (إياك نعبد وإياك نستعين) ينفتح له باب الإخلاص والعبودة الكاملة المتفرعة على تلك الانفتاحات، وبقوله: (إهدنا الصراط المستقيم) ينفتح له باب الدعاء والتضرع والعمل بقوله: (ادعوني أستجب لكم)، وإذا وصل إلى قوله تعالى: (صراط الذين...) إلى آخره، ينفتح له باب الاقتداء بالأرواح الكلية الإلهية الطيبة وبالأكوان الجامعة العرفانية والاهتداء إلى أنوارهم الصافية الخالصة، فيتم معراجه الروحاني بحمد الله وله الشكر (3).

النكتة الثالثة: حول تناسب الصلاة والفاتحة أعمال الصلاة غير القراءة والأذكار سبعة: القيام، والركوع، والانتصاب منه، والسجود الأول، والسجود الثاني، والقعدة بينهما، وبعدهما. فهذه الأعمال في حكم الشخص، والفاتحة في حكم الروح، ويحصل الكمال الحقيقي عند الاتصال بينهما. قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم) بإزاء القيام، لأنه أول الأعمال، ولأن الأشياء ب? " بسم الله " قامت. وقوله: (الحمد لله رب العالمين) بإزاء الركوع، لأن كليهما من الحالات المتوسطة، ضرورة أن التحميد على الوجه المزبور - بملاحظة الربوبية والمخلوقين - تحميد متوسط، وله الدرجة الأخرى هي الأعلى منه. و (الرحمن الرحيم) يناسب الانتصاب، لأن الانحناء من الركوع نقص، والعدول عنه إلى الاستقامة كمال، يحتاج إلى تذكره بالرحمة الرحمانية والرحيمية. و (مالك يوم الدين) يناسب السجدة الأولى، لأنها غاية الخضوع، وهي تحصل من الخوف البارز في القلب من قراءته. و (إياك نعبد وإياك نستعين) يناسب القعدة الأولى، لأن الجملة الأولى إخبار عن عبوديته، والثانية استعانة للتوفيق على السجدة الثانية. وقوله: (إهدنا الصراط المستقيم) يناسب السجدة الأخيرة، لأن غاية مقصوده من التعبد هو الاهتداء إلى الصراط المستقيم، فإذا كانت في منتهى سيره النزولي في العبادة، فلابد وأن يطلب منتهى الآمال والأماني. و (صراط الذين أنعمت عليهم...) إلى آخره يناسب القعدة الثانية، لأنه بعد العود إلى الكثرة من التوجه التام والفناء الأخير، لابد وأن يتوجه إلى تكثير خصوصيات المسؤول عنه، بأن يكون صراط المنعم عليهم، لا صراط المغضوب عليهم، ولا صراط الضالين. هذا ما في بعض الكتب (4) بتقريب منا، حتى يخلو عن المناقشات الكثيرة، ولا ينبغي أن يكون النظر إلى هذه الأمور نظرا علميا برهانيا، بل هذه الذوقيات الباردة نشأت من أرباب الخيال والشعر، ومع ذلك كله فهو مما لا بأس به في الجملة.

النكتة الرابعة: المناسبة بين السورة وآخر سورة البقرة ربما يقال: كمال حال الرسول الأعظم البشري (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما يظهر في الدعوة إلى الله تعالى، وتلك الدعوة تستكمل بأمور سبعة ذكرها الله تعالى في آخر سورة البقرة بقوله: (والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله) (5) وهذه الأربعة متعلقة بمعرفة المبدأ والربوبية، ثم بعد ذلك معرفته بالعبودية، وهي مبتنية على أمرين:

الأول: المبدأ.

والثاني: كماله، فما بحذاء المبدأ قوله تعالى بعد تلك الأربعة: (وقالوا سمعنا وأطعنا) والمراد من الكمال، هو التوكل عليه المتضمن للإقرار به على نعت الكمال الإطلاقي، وبإزائه: (غفرانك ربنا)، وبذلك ينقطع نظر السالك العارف عن الأعمال البشرية والطاعات التوهمية، ويحصل له الالتجاء إليه، فإذا استكملت الربوبية والعبودية في ذاته، واستولت عليه صفاته الحميدة، وخرجت قواه الاستعدادية إلى الفعليات النورية، يحصل له التوجه التام بالانقطاع الكلي إليه، بخلع جلباب البشرية ورفض صيصية الإنسانية، فيترنم بقوله: (وإليك المصير). فما هو مراتب الإنسان المبدأ والأوساط والمعاد، فإذا كان العبد في سلوكه الإنساني متوجها إلى ربه الأعلى، فيكون قارئا في الآيات السبع القرآنية ما يستوفي به تلك المراتب السبع الإنسانية، وهو بالتضرع والتخشع في مراتب سبع: فأولها: من البقرة (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) (6) فال ينسى ويتذكر أول آية من سورة الفاتحة (بسم الله الرحمن الرحيم). وثانيها: (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا)، فيقول: (الحمد لله رب العالمين) على هذه المنة المخصوصة بنا. وثالثها: (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) فيترنم ب? (الرحمن الرحيم) لما فيه كمال رأفته ونهاية شفقته بالنسبة إليهم. ورابعها: (واعف عنا)، فيقول: (مالك يوم الدين) فإن طلب العفو لأجل ظهور الخشية والإقرار بالملكية والحكومة المطلقة. وخامسها: (واغفر لنا) فيناديه: (إياك نعبد وإياك نستعين)، فيطلب الغفران لأجل عبادته والاستعانة منه. وسادسها: (وارحمنا)، وذلك لأجل قوله: (إهدنا الصراط المستقيم). وسابعها: (أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) حتى لا أكون من المغضوب عليهم ولا الضالين (7).

النكتة الخامسة: تحصيل العدالة بقراءة السورة اعلم أن العدالة من أمهات الفضائل الأخلاقية، وهي الحد الوسط بين الإفراط والتفريط، بل العدالة تمام الفضائل الباطنية والظاهرية والروحية والقلبية والنفسية، وذلك لأن العدل المطلق هي الاستقامة المطلقة في جميع الجهات والجوانب، من غير فرق بين مقام المظهرية للأسماء والصفات، والتحقق بها الذي هو المخصوص بالإنسان الكامل، ويكون ربه - عندئذ - حضرة الاسم الأعظم " الله " الذي هو على الصراط المستقيم من الحضرات الأسمائية، وإليه الإشارة إمكانا بقوله: (ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم) (8). وبين مقام التجلي بالمعارف الإلهية، فإن معنى العدالة في هذه المرحلة عدم الاحتجاب من الحق بالخلق، فيتجلى العدالة في قلبه من غير احتجاب بالحق من الخلق، فيرى الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة، ومعنى الإفراط والتفريط في هذا المقام، هو الاحتجاب من الخلق بالحق وبالعكس. وبين مقام التخلق بالأخلاق النفسانية، فإن العدالة هنا هو تعديل القوى الثلاثة الشهوية والغضبية والشيطانية، وهذه القوى الثلاثة أمهات الرذائل والأخلاق الفاسدة، فإن القوة الوهمية الشيطانية هي الأهواء النفسانية، والقوة الغضبية هي السبعية الحيوانية، والقوة الشهوية هي البهيمية الحيوانية، وتلك القوى تشتد وتضعف حسب الرياضات النفسانية والمعاصي والتخلف عن الشرائع الإلهية، وإذا كانت الثلاثة بين يدي العقل في الحد الوسط، فهو الكمال اللازم في هذه النشأة وأن لا يكون واحدة منها غالبة على الأخرى.

وربما تغلب إحداها على الأخرى، فعندئذ تحصل الأصول الممسوخة الملكوتية البالغة إلى السبعة: أحدها: الصورة البهيمية، فإنها إذا غلبت على الأخريين يصير الباطن متصورا بصورتها، ويحشر حسب علم المعاد على إحدى صور البهائم كالحمار ونحوه، وذلك لأن ميزان الصور في النشأة الآخرة على الأخلاق والباطن، كما ورد في الأحاديث ما يومي إلى هذه التجسمات الأخلاقية. ثانيها: الصورة السبعية، فإنها إذا استكملت النفس في تلك القوة، وتصورت بتلك الصورة ويحشر عليها، فيكون بشكل إحدى السباع في السلوك وفي البرازخ، وأحيانا إلى يوم القيامة، فأعاذنا الله تعالى من هذه التبعات ووفقنا على هدم بنيانها في هذه النشأة إن شاء الله تعالى. ثالثها: الصورة الشيطانية، فالنفس إذا استكملت فيها القوة الوهمية، وكانت أخيرة كمالاتها الفعلية التخلق بهذه الرذيلة العجيبة، تحشر يوم القيامة في صورة ملكوتية شيطانية، التي تحسن عندها القردة والخنازير، وهكذا في البرازخ. فهذه الثلاثة هي أصول المسوخ الملكوتية البسيطة، وربما يحصل من النكاح بينها والازدواج المسوخ الملكوتية المركبة المتولدة من تلك البسائط، وهي أربعة صور: ثلاثة منها ثنائية، لأنها تتكون من الشيطانية والغضبية تارة، ومن الشيطانية والبهيمية أخرى، ومن البهيمية والغضبية ثالثة، فيحشر يوم القيامة على شكل مزدوج من الثلاثة، ويكون خارق العادة وغير مأنوس حتى لأهل العذاب، والرابعة منها هي المركبة من الثلاثة ويصير " اشتر گاو پلنگ " كما في اللغة الفارسية، وتحسن عندها سائر الصور، فضلا عن القردة والخنازير. وهذه المسوخات الملكوتية موافقة للبراهين العلمية وللمكاشفات القطعية، ولا يختص التصور بهذه الصور مجال المفارقة والانتقال من هذه النشأة، بل الآن كاتب هذه السطور في باطنه الرذائل الجمة، بحيث يتمكن أرباب الكشف والشهود وأصحاب الانس والقلوب من مشاهدتها.

فيا رب يا الله! نعوذ بك من الشيطان الرجيم، الذي هو أس هذه الانحرافات والضلالات من العدالة والاعتدال إلى الإفراط والتفريط، لذلك يترنم القارئ أولا بالاستعاذة لرجوع جميع الخبائث إليه، ثم يقرأ الآيات السبع من الفاتحة، فيكون كل واحد منها بإزاء واحدة منها، وليتحرز من مجموع تلك الرذائل السبعة بتلك السبعة الفاضلة، وليتجنب من الصور الباطلة الملكوتية الممسوخة بحصول الصور السبع الملكوتية الروحانية، فإن النفس مادة قابلة لما يرد عليها من المحاسن والمفاسد، فإذا قاوم الإنسان الملتفت والمتوجه هذه الصور بإيراد مضاداتها، وأدمن في ذلك، فربما تشمله العناية الربانية وحكمته الإلهية، فيخرج من المهالك والظلمات إلى المنجيات والأنوار. والله ولي التوفيق، وعليه التكلان.

النكتة السادسة: في نظم هذه السورة وهو على ما أفاده بعض أهل التحقيق (9) - وإن كان في وجهه الوجوه الكثيرة -: أن للإنسان أياما ثلاثة: الأمس، والبحث عنه يسمى بمعرفة المبدأ. واليوم الحاضر، والبحث عنه يسمى بالوسيط، وبتعبير منا العلوم الطبيعية. والغد، والبحث عنه يسمى بعلم المعاد. والقرآن مشتمل على رعاية هذه المراتب الثلاث، وتعليم هذه المعارف الثلاثة التي كمال النفس الإنسانية منوط بمعرفتها، ونفس الأعمال البدنية إنما تراد لأجلها، لأن غايتها تصفية مرآة القلب من الغواشي البدنية والظلمات الدنيوية، لأن يستعد لحصول هذه الأنوار العقلية، وإلا فنفس هذه الأعمال الحسنة ليست إلا من باب الحركات والمتاعب، ونفس التصفية المترتبة عليها، ليست إلا أمرا عدميا لو لم يكن معها استنارة صفحة القلب بأنوار الهداية، وتصورها بصورة المطالب الحقة الإلهية. والقرآن متضمن لها، وهي العروة الوثقى فيه لما ذكرنا، ولما كانت هذه السورة مع وجازتها، متضمنة لمعظم ما في الكتب السماوية من المسائل الحقة، والمقاصد اليقينية المتعلقة بتكميل الإنسان وسياقته إلى جوار الرحمن، فلابد وأن يتحقق فيها جميع ما يحتاج الإنسان إليه منها، فنقول: هي هكذا: أما اشتمالها على علم المبدأ، فقوله تعالى بعد التشرف بمقام الذكر والتسمية: (الحمد لله رب العالمين)، فإنه يومي إلى العلم بوجود الحق الأول، وأنه مبدأ سلسلة الوجودات، وموجد كل العوالم والمخلوقات، وقوله: (الرحمن الرحيم) إلى العلم بصفاته الجمالية وأسمائه الحسنى، وقوله: (مالك يوم الدين) إلى إثبات أنه غاية وسبب نهاني للمخلوقات، مع الإشارة إلى أسمائه الجلالية. ويشير إلى العلم الوسط قوله: (إياك نعبد وإياك نستعين) وهو العلم بالأعمال والأحوال التي يجب معرفتها ما دام في هذه النشأة وهذه الحياة، وهي بدنية وقلبية: فالبدني: تهذيب المظاهر عن الأنجاس وتربيته بالصلاة والصيام والحج وغيرها. والقلبي: تهذيب الباطن عن الغشاوات وخبائث الملكات. وإلى هذه الأسرار يشير أيضا قوله: (إهدنا الصراط المستقيم). وأما اشتمالها على علم المعاد، وهو العلم بأحكام النفس بعد الفراق وخصوصياتها، فلقوله: (صراط الذين أنعمت...) إلى آخره، فإنه صراط الله العزيز الحميد، وباب الله الآتي منه إلى الحق، فإنه حقيقة المنعم عليهم لا تصير معلومة إلا بمفارقة جلباب الأبدان وصياصي الأجسام.

النكتة السابعة: حول الأسماء الخمسة المذكورة في السورة قد اشتملت هذه السورة على الأسماء الخمسة " الله، الرحمن، الرحيم، الرب، المالك "، وهي ربما تحاذي الصفات الخمسة المذكورة فيها: وهي العبودية، والاستعانة، وطلب الهداية، وطلب الاستقامة، وطلب النعمة الخاصة. وقال الفخر: كأنه قيل: إياك نعبد، لأنك أنت الله، وإياك نستعين، لأنك أنت الرب، واهدنا الصراط المستقيم، لأنك أنت الرحمن، وارزقنا الاستقامة، لأنك أنت الرحيم، وأفض علينا سجال نعمك وكرمك، لأنك مالك يوم الدين (10). وقيل: الإنسان مركب من الأشياء الخمسة: البدن، ونفسه الشيطانية، ونفسه الشهوانية، ونفسه الغضبية، وجوهره الملكي العقلي، فتجلى الحق سبحانه بأسمائه الخمسة لهذه المراتب الخمسة (11). وقيل: إن مراتب أحوال الخلق خمسة: أولها الخلق، ثانيها التربية في مصالح الدنيا، وثالثها التربية في تعريف المبدأ، ورابعها التربية في تعريف المعاد، وخامسها نقل الأرواح من عالم الأجساد إلى دار المعاد، فاسم الله منبع الخلق والايجاد والتكوين والإبداع، واسم " الرب " يدل على التربية بوجوه الفضل والإحسان والإنعام، واسم " الرحمن " يدل عليها في معرفة المبدأ، واسم " الرحيم " في معرفة المعاد، حتى يحترز عما لا ينبغي، ويقدم على ما ينبغي، واسم " الملك " يدل على أنه ينقلهم من دار الدنيا إلى دار الآخرة والجزاء. فإذا انتفع العبد من هذه الأسماء الخمسة في تلك المقامات الخمسة، يحصل له كمال القرب، فيخاطبه ويناجيه بقوله: (إياك نعبد وإياك نستعين) (12). وهنا النكات والذوقيات الاخر، إلا أن الكلام إذا لم يكن مشفوعا بالبراهين العقلية، أو لم يكن مقرونا بالمكاشفات العرفانية، لا متانة فيه، لأن تلك الذوقيات تخيلات باردة واختراعات، تختلف حسب الأزمان والأفكار والأحوال والأفراد. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا. وقد تم بعونه وتوفيقه ما يتعلق بهذه السورة الشريفة في أوائل الليلة السابعة من ذي القعدة الحرام عام 1390 ه?، وكاتب هذه السطور ابن واحد وأربعين، جزاه الله خيرا، وغفر الله ذنوبه، وأسكنه بحبوحة رضوانه. اللهم ارفع عنا البلاء المبرم من السماء، إنك على كل شئ قدير، يا رحيم!

النكتة الثامنة: جدول السورة على حساب الحروف قد تصدى بعض أرباب العلوم الغريبة لاستخراج جميع الحوادث الكونية والزمانية، وتواريخ القضايا الآتية على حساب الحروف والأعداد من سورة الفاتحة، وإنا لسنا في ذلك الموقف، ولكن أردنا الإشارة إلى جدول هذه السورة، حتى تكون منافعها أكثر، ومن شاء تفصيله فليراجع مواضعها (13). ثم إن الحروف الساقطة - أي غير المذكورة في هذه السورة - سبعة: ج، ز، ظ، ش، ف، خ، ث، وقد تصدى أربابهم لتحصيل الطلسمات المخصوصة بها، ونحن نشير لواحدة منها، ليكون من أرادها وأراد الاطلاع على أسمائها في راحة: أما أسماؤها: فحرف الزاء زكي، وحرف الجيم جبار، وحرف الظاء ظهير، وحرف الشين شهيد، وحرف الفاء فرد، وحرف الخاء خبير، وحرف الثاء ثابت. وأما أو فاقها فلا نذكر إلا واحدا منها، وتكون من المسبعات، ولها الخاصة، وكل واحد من السبعة مرتبط بواحد من أيام الأسبوع وبواحد من السيارات السبع (14).


1- المؤمنون (23): 12 - 14.

2- تفسير القرآن الكريم، صدر المتألهين 1: 164.

3- راجع التفسير الكبير 1: 277 - 278، وتفسير القرآن الكريم، صدر المتألهين 1: 165 - 166.

4- راجع التفسير الكبير 1: 274، وتفسير القرآن الكريم، صدر المتألهين 1: 167 - 168.

5- البقرة (2): 284.

6- البقرة (2): 285.

7- التفسير الكبير 1: 264 - 266.

8- هود (11): 56.

9- تفسير القرآن الكريم، صدر المتألهين 1: 162 - 163.

10- التفسير الكبير 1: 285.

11- التفسير الكبير 1: 286.

12- التفسير الكبير 1: 289.

13- راجع شمس المعارف الكبرى 1: 69 - 78، والصورة هكذا:.

14- راجع شمس المعارف الكبرى 1: 105 - 106 وقد ذكر فيه الجداول. والمصنف (قدس سره) جعل موضعا لواحد منها، فمثلا: حرف الشين للمريخ وله يوم الثلاثاء ش - ف - خ - ث - ج - ز - ظ ز - ظ - ش - ف - خ - ث - ج ث - ج - ز - ظ - ش - ف - خ ف - خ - ث - ج - ز - ظ - ش ظ - ش - ف - خ - ث - ج - ز ج - ز - ظ - ش - ف - خ - ث خ - ث - ج - ز - ظ - ش - ف.