رسم الخط

قواعد رسم الخط تقتضي أن تكتب " الذين " هكذا: " اللذيين "، وذلك لأن مفردة " الذي "، فإذا ثني فيكتب هكذا: " اللذان "، وإذا جمع بالواو والنون فيكتب هكذا: " اللذيون "، فعليه لابد وأن يكتب في جمعه بالياء والنون " اللذيين "، لأن أحد اليائين ياء الأصل، والآخر ياء الجمع، وأما " الذون " فلا يكتب بالياء فهو أيضا خلافها. ومن الممكن دعوى أن " الذين " جمع " اللذ "، لا " الذي "، وقد ذكر في كتب اللغة ل? " الذي " خمس لغات، ومنها " اللذ " (1)، ولكنه مخالف لظواهر كلماتهم من: أن " الذين " جمع لجميع تلك اللغات الخمس، ولصريح ابن مالك حيث يقول: جمع الذي اولي الذين مطلقا وبعضهم بالواو رفعا نطقا (2) ولأجل تلك الشبهة قيل: إن في كلمات العرب كلمتين تكتبان على غير القياس: إحداهما " الليل " حيث يكتب " اليل " هكذا في كثير من مواضع الكتاب العزيز أيضا في نوع نسخه، فراجع، والثانية " الذين ".

والحق: أن ما قيل واشتهر غير موافق للحق، وذلك لأن في القرآن اختصاصات تعد غلطا حسب رسم الخط، لا يمكن تصحيحه حسب قواعده، وقد بلغت إلى أكثر من خمسين موردا ولعل منشأه عدم اطلاع الكتاب في صدر الإسلام على آداب الخط، فاحتفظوا على تلك الأغلاط لشدة اهتمام المسلمين المتأخرين بعدم تصرفهم فيه حتى مثل هذا النحو من التصرفات، حذرا من الاتهامات المتوجهة إليهم - من قبل أعدائهم - في مسألة تحريف الكتاب العزيز وتحريف سائر الكتب السماوية. فعلى هذا لا يمكن استكشاف قاعدة الرسم من كيفية كتابة الكتاب العزيز، فلا يجوز أن يكتب " الليل " إلا باللامين، كما هو هكذا في مواضع من الكتاب العزيز. هذا حكم رسم خط " الليل ". وأما " الذين " فهو لا يجوز إلا أن يكتب هكذا، لأنه جمع " الذي " و " الذي " مفرد معرفة فلا يدخل عليه اللام أصلا، فيجمع على " الذين "، وأما حذف الياء فلعدم الاحتياج إليه، وهو كثير التكرر في الكتابات ورسومها، فلا يكتب جمع " رامي " إلا " رامين "، مع أنه " الراميين " وهكذا. نعم بناؤهم في التثنية على كتابة اللامين على خلاف القاعدة، وإلا فالحق فيه أيضا أن يكتب هكذا " الذين "، ولكنه حذرا من الاشتباه ومن الخلط بنوا على ذلك، مع أن هذا الخلط يكثر في المواضع الاخر بين التثنية والجمع، كما لا يخفى.

وأما توهم: أن " الذي " مركب من " ال " التعريف و " ذي "، ويكون الموصول في الحقيقة هو " ذي "، وهو مثل " من " نكرة حسب ما هو التحقيق عندنا (3) فهو غير صحيح، لأن هذه التجزئة بلا دليل، وتخالفها ظواهر كتب اللغة والنحو، مع أن " ذي " من أسماء الإشارة، حسب ما نص عليه ابن مالك: بذا لمفرد مذكر أشر وذي وذه تي تا على الأنثى اقتصر (4) فلو كان في الأصل هكذا، ولكنه صار لغة واحدة موضوعة للمعنى المعروف، ويكون من الموصلات المعرفة. وغير خفي: أن منشأ اشتباه من زعم أن كتابة " الذين " غير صحيح، أما كيفية كتابة " الذين " في حال التثنية، أو كيفية كتابة " اللذون " في حالة الجمع بالواو، ولكنك أحطت خبرا بما هو الحق، ومن الممكن بناء الكاتب في هذا المقام على إظهار اللام المدغم في الكتابة، مع أنه خلاف قواعدها قطعا، ولأمر بعد ذلك كله سهل لا تثريب عليه.


1- راجع القاموس المحيط: 1715، ولسان العرب 15: 245، وتاج العروس 10: 325، وأقرب الموارد 2: 1139.

2- الألفية، ابن مالك: مبحث الموصول، البيت 4.

3- الصحاح 4: 2481، لسان العرب 15: 245، تاج العروس 10: 325.

4- الألفية، ابن مالك: مبحث اسم الإشارة، البيت 1.