النصيحة والأخلاق

يا أيها القارئ الكريم، ويا أيها السالك المفتاق إلى الرب الرحيم: إذا علمت هذه الرقائق العرفانية، وتلك الحقائق الحكمية، والدقائق الإيمانية، وأحطت خبرا: بأن الآيات القرآنية والسور الإلهية الرحمانية، مشتملة على جميع المراتب الإمكانية، وتمام الكمالات الإنسانية، وحصلت كل ذلك من تلك المباحث العالية وهذه المسائل الراقية، فعليك تنفيذها، وإياك وأن تقنع منها بالصور العلمية والمفاهيم الكاسدة الوهمية، ولابد من الجهد والاجتهاد في التطرق وسلوك هذا الصراط المستقيم، والوصول إلى دار الخلد ونعيم الأزل، بالسير في الدرجات المختلفة من الهداية والفوز بالدرجة العليا منها، ورفض الهدايات الحيوانية والبهيمية والبدوية، وكسب الهداية التامة العادلة، بالقيام بالوظائف الشرعية في مقام الظاهر، والاجتهاد في الرياضات النفسانية في مقام الباطن، فيحافظ على الأحكام القلبية والقالبية في مقام العمل، ولا يكتفي بهذه العناوين والوهميات والذوقيات، فإن وراء ذلك كله الخير، وإلا فتلك هي الشرور التي تلزمك وتحشر معك، وتعانقك في البرازخ إلى القيامة الكبرى والعظمى، فنعوذ بالله الجميل من هذه الصور المؤذية وتلك المقارنات الغير الملائمة. فيا أيها الأخ العزيز، لا تتوهم أن كاتب هذه الحروف تجاوز عن حد الحيوانية إلى الإنسانية، فضلا عن السير في مراتبها العالية، ولا تغتر بما في هذه الصحف، والغرور من مكايد إبليس، بل عليك الاغترار - إذا جاز - إذا تجاوزت عن المكائد النفسانية، بل والقيود القلبية، ورأيت الشاهد الحقيقي على صراط الإنسانية المستقيم، وما ذلك إلا بأن تكون في جميع الحالات مقيدا بقيود الديانة والشرع، وأن تواظب في جميع الأحوال والأزمان على الأحكام الجائية من قبل خير الأنام - عليه وآله الصلاة والسلام - وتكون قواك الظاهرية والباطنية في القيام والخدمة لرب العالمين، فلئن صبرت على هذه المصائب وتلك المعضلات والموانع الموجودة في الطريق، وقلعت باب الحق للوصول إلى آخر السفرة، فهو المطلوب والمقصود، وهو المأمول والمسؤول، وإلا فستبقى في جحيم الطبيعة والطبقة الدنية، وتحشر يوم القيامة في زمرة الحيوانات والبهيمة، وتنشر بحكم (إذا الوحوش حشرت) أعاذنا الله تعالى من شر ذلك اليوم، ووقانا حسابه. فيا إلهي ويا سيدي، إهدنا الصراط المستقيم إلى حقيقتك ونفسك، فاهدنا سواء السبيل إلى رحمتك ورأفتك ثبتنا على الطريقة الموصلة إليك وإلى انسك ولقائك، فإني وإن أكن صفر اليد، وفي الأغلال والسجون الظلمانية الغضبية والشهوية والشيطانية، ولكنني أحب التخلص منها، وأعشق الوصول إلى حضرتك بربوبيتك من غير جد واجتهاد، تخيلا أن رحمتك ورأفتك تأخذني، وظنا بك وبحسن عشرتك بنا وللخلق أجمعين، فإن من وظائف العبودية حسن الظن بالله العظيم، فإن اهتدينا بهدايتك فهو، وإلا فنحن إلى الهاوية، وهي أهون من لقاء أمثال معاوية في تلك الباقية الخالدة، فمن جانب محروم من الانس بك وبأوليائك، ومن ناحية معذبون بأنواع تعذيبك، ومن الثالثة - وهي أشد من الأوليين - الحشر مع أعدائك والخبثاء من خلقك، فيا الله خذ بناصيتنا واهدنا الصراط السوي لقولك: (ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم) (1). ثم اعلم: أن الهداية من جنود العقل، والضلالة من جنود إبليس والجهل، وقد سكت في الرواية المعدة لتلك الجنود وأضدادها عن عدهما منها (2)، لأجل أن بعض العناوين الكلية يشملهما، وسيأتي بعض بحوث اخر حول الهداية، عند البحث عن ذي الضلالة وكيفية استنادها إليه تعالى من ذي قبل إن شاء الله.


1- هود (11): 56.

2- راجع الكافي 1: 15 - 17 / 14، وتحف العقول: 468 فيما وصى الصادق (عليه السلام) لهشام.