دليل عرفاني وتنبيه إيماني

إشارة الآية إلى برهان الصديقين

من الممكن أن تكون الآية معناها طلب إراءة الطريق، أو طلب الإراءة والتوفيق على تطرقه وتوصله بالوصول إليه، وعلى كل ذلك يكون مطلوبا بالغير ومقصودا غيريا. ومن الممكن أن تكون الآية في مقام إفادة أن المطلوب النفسي هو الصراط المستقيم، وليس شئ آخر وراءه مطلوبا بهذه الآية، وإن كان له مطلوب آخر، وهو ما يوصل إليه هذا الصراط والسبيل المستقيم. وهنا سر آخر غير الأسرار الماضية وهو: أن الآية ربما تشير إلى برهان الصديقين ودليل أرباب الكشف واليقين، وهو أسد البراهين وأقوم الطرق وأشرفها، وهو الذي يكون الوسط في البرهان هو في الحقيقة، ويكون الطريق إلى المقصود، وهو عين المقصود، فما هو مطلوب السالك هي الهداية إلى الطريق والصراط المستقيم، الذي لا شئ وراءه، حتى يكون هو ذا الصراط، ويكون السبيل والطريق موصلا إليه، بل هو نفس الطريق والصراط (أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) (1). وهذه الطريقة لا نسميها البرهان - لا لميا ولا إنيا - كما حررناه في تعاليقنا على الأسفار الأربعة (2)، لأنها من مشاهدة أربابها ومن كشفيات أصحابها، فلا تمكن من تقريبها، ولو أمكن ذلك فهو من البرهان، مع أنه لا يعد برهانا إلا تسامحا. فحذف متعلق الصراط المستقيم ربما كان لأجل إفادة أنه ليس وراء الهداية إليه هداية أخرى، بل هي تمامها وكمالها. وللمقام تفصيل لا يسعه الكلام، وعنده مزلة الأقدام والأقلام.

وميض

حول الاسم " الهادي " اعلم: أن اسم " الهادي " حسب تقسيم الشيخ العربي من أسماء الأفعال (3)، وحسب ما هو الحق من أسماء الذات في اعتبار، لأنه من الصفات الكمالية التي تعرضها، فإنه تعالى بذاته الهادي، وهو بذاته المهدي، لا باعتبار الأمر الزائد عليها، كما هو العالم بذاته ومعلوم بذاته لذاته، وباعتبار آخر من أسماء الأفعال، لأنه بهدايته يهدي الخلق من الضلالة، حسب أنحاء الهدايات وأنواع الضلالات، وسيأتي تحقيق بليغ - إن شاء الله تعالى - حول ملاك أسماء الذات وأسماء الصفات والأفعال في سورة البقرة، وقد سبق أن أجملنا الكلام حوله. ثم إن هذا الاسم من الأسماء المحاطة تحت اسم " الرحمن " و " الرحيم "، فإن الهداية تترشح من الرحمة بالخلق، ومظهره الأتم في النشآت الثلاث، هو الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالذات والأصالة، والأئمة المعصومون - صلوات الله تعالى عليهم أجمعين - بالتبع، وحيث إن الهداية في النشأة العينية ظل الهداية في النشأة العلمية (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى) (4)، ويقول خواجة عبد الله الأنصاري: " همه از آخر كار ميترسند من از أول " (5)، فالهداية في الآخرة وهذه الدنيا تبع الهداية في النشأة الأولى والدار العليا، فهو تعالى يهدي بفيضه الأقدس ثم بفيضه المقدس. فالأعيان الثابتة العلمية يترنمون بألسنة ذواتهم: (إهدنا الصراط المستقيم)، وهذه الرنمة محفوظة في القوس النزولي إلى أن يصل السالك في قوسه الصعودي وعند معراجه الروحاني، فيقول حال عروجه: (إهدنا الصراط المستقيم) بلسان المقال، وألسنة المتوسطة لسان الحال.


1- فصلت (41): 53.

2- راجع تعليقات على الحكمة المتعالية ذيل 6: 13، برهان الصديقين.

3- راجع إنشاء الدوائر: 28.

4- الإسراء (17): 72.

5- انظر " مجموعه ء مناجاتها ومقالات خواجة عبد الله الأنصاري "، المكالمة الأولى.