المعاني والبلاغة

وهنا مسائل:

المسألة الأولى: حول طلب الهداية من الأفراد المختلفة لابد من الالتزام بالمجازية في طلب الهداية، لأنها هي الحاصلة إن كانت هو الإسلام والإيمان، ولا أقل من الالتزام باختلاف المستعملين، فمن يريد بها الهداية إلى سائر الأمور لكونها في الضلالة، فهي حقيقة، ومن كان مثل الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمثاله كالأئمة المعصومين - عليهم صلوات المصلين - ويدعو بها فيقول: (إهدنا الصراط المستقيم)، فهي مجاز، لأن معناه هو الاستدعاء للبقاء على الهداية الموجودة وملازمتها، ولعل لأجله ورد عن الصادق (عليه السلام) في المعاني والتفسير: " أي أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك " (1)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): " أي أدم لنا توفيقك " (2) وإلى ذلك يرجع كلمات جل أرباب التفسير، غافلين عن حقيقة الأمر الآتية من ذي قبل إن شاء الله تعالى.

أقول: قد عرفت منا أن الهيئة ليست إلا للتحريك الاعتباري، ولا تدل على معنى اسمي كلي بالوضع، بل هي نقشة التكوين وخريطة الخارج، فإذا قال العبد: " إهدنا "، فهو بعث المولى إلى الهداية، وإذا كانت الهداية المبعوث إليها هي هداية الجمع، فيكفي للخروج عن المجازية كون طائفة من المجتمع في الضلالة، سواء كانت في الضلالة عن الإسلام والدين، أو الإيمان ومظاهره، أو سائر أنحاء الضلالات الآتية بتفصيل إن شاء الله تعالى. ولعل ذلك كان لأجل الإيماء إلى أن في الدعاء لابد وأن يلاحظ حال المضلين والضالين والمغضوب عليهم، لأنهم أحوج إلى الدعاء من غيره، كما في الحديث: " فالناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق " (3) فمقتضى كونك مظهر الرحمة الرحيمية والرحمانية أن تدعو للكل وتهتم بجميع الخلق. وقد يقال: إن كل أحد - من الصدر إلى الذيل - في نحو من الضلالة، كما يأتي تحقيقه، فيكون الدعاء على الحقيقة بالنسبة إلى جميع الآحاد والأفراد (4).

وأيضا إن الهيئة بعث نحو المادة ومتعلقها، والبعث نحو الهداية كما يمكن أن يكون بداعي إيجادها، يمكن أن يكون بداعي إبقائها وإدامتها وأن يكون بداعي اشتدادها وتقويها، فإذا كان العبد الضال يدعوه لها، فهو ظاهر في أن ذلك بداعي إحداثها، وإذا كان الهادي يقول: " إهدنا "، فهو مثل قولك لمن هو مشغول بالأكل: " كل "، فإنه ليس مجازا، بل بداعي الاستدامة، أو للقارئ: " اقرأ "، أو للماشي: " امش "، وهكذا، من غير كون الهيئة ذات وضعين مستقلين، كما لا يخفى. فبالجملة: الهداية بما هي من الطبائع متعلق الأمر، وبما أنها من حيث هي هي ليست مقصودة بالذات، فتكون الهيئة ذات داع اقتضى تعلقها بها حسب ما تقرر في الأصول من: أن الأوامر متعلقة بالطبائع دون الأفراد (5)، وإذا كان الداعي مثل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فالهيئة استعملت في البعث نحوها، إلا أن ذلك باعتبار الاشتداد في الهداية الموجودة، وغير خفي أن الاشتداد في الكمالات اللائقة به (صلى الله عليه وآله وسلم) عين الاشتداد في الهداية، كما يأتي في البحوث الآتية.

وقد تعرض بعض الكتب التفسيرية للجواب عن هذه الشبهة بما لا يرجع إلى محصل، مثل: أن المقصود هو الالتجاء والدعاء، دون الطلب الواقعي (6)، وكأنهم ظنوا أنه في هذه الصورة تكون الهيئة مهملة وغير مستعملة، أو مستعملة طبعا في معناها الواقعي من غير استشعار، وهذا واضح المنع، بل الهيئات في جميع تلك المواقف - حتى في مواقف الاستهزاء والهزل - تستعمل في معانيها الواقعية، بل وفي الأوامر العذرية والامتحانية، حسب ما تقرر في أصولنا (7)، فراجع. فعلى هذا تكون الروايات المشار إليها - على فرض صحة إسنادها - في مقام إفادة المعاني الكنائية، والإيماء إلى الدواعي الخارجة عن حدود الاستعمالات اللغوية، من غير كونها تفسيرا للمعاني اللغوية، بل ليست الأحاديث شأنها ذلك، كما هو واضح.

المسألة الثانية: استعمال الصراط في الطرق المعنوية حسب ما تحرر وأشير إليه إن الصراط بمعنى الطريق والسبيل والجادة، والظاهر من كتب اللغة هي الجادة الخارجية الموجودة بين البلاد والقصبات وبين الشوارع والبيوت، فاستعماله في الطرق المعنوية والسبل الروحية من المجاز، كما يتخيل في أمثال المقام، ولأجل الفرار عن المجازية، أو لأجل بعض الأمور الأخر، اشتهر بين أرباب العلوم الروحية والعرفانية: أن الألفاظ موضوعة للمعاني العامة، ولا تكون مقصورة على المعاني الخاصة.

وأنت - فيما سبق منا - أحطت خبرا: بأن هذه المقالة خارجة عن حدود وضع اللغات والألفاظ، ولا ينبغي لهم التدخل فيها، لأنه يورث الضلالة، ويستتبع الغي عن سبيل الحق، ضرورة أن الألفاظ في حدود الوضع تابعة لمقدار حدود إرادة الواضع أو المستعملين العرفيين فيما إذا كان الوضع يحصل بالاستعمال. نعم لا يلزم على هذا المجاز اللغوي المشهور بين أبناء الأدب، من كون اللفظ مستعملا في غير المعنى الموضوع له، بل الحق أن الألفاظ في جميع المجازات تستعمل في معانيها اللغوية حسب الإرادة الاستعمالية، وإنما تختلف الدواعي والمرادات الجدية: فتارة يريد المولى من اللفظ بالإرادة الجدية نفس المراد بالإرادة الاستعمالية، وأخرى لا يكون الأمر كذلك، بل يريد انتقال المخاطب والسامع إلى المعنى المقصود بالذات، فإذا قيل: فاسألوا القرية فلا يكون هناك استعمال أو ربط مجازي بحسب الإرادة الاستعمالية، وإن كان المراد الحقيقي أمرا آخر.

وهناك في الكلمات البليغة وأشعار البلغاء والأدباء - وفي خصوص الاستعمالات القرآنية - وجه آخر وهو: الحقيقة الادعائية، بمعنى أن المتكلم يتخيل المعاني والحقائق العرفانية العقلية ذات الأبعاد، ويتخيل بين الإنسان وتلك الروحانيات الجواد والطرق، فيدعي أنه السبيل، فيستعمل فيه الصراط، فلا يكون مجازا رأسا، أي استعمل اللفظ فيما هو الموضوع له، بدعوى: أن هذا من الموضوع له، أي من مصاديق ذلك الكلي. وغير خفي أن استعمال اللفظ الموضوع للكلي في الفرد الخاص منه - ولو كان فردا حقيقيا - مجاز، بل اللفظ يستعمل في الكلي، وهو ينطبق عليه طبعا، فلا تخلط.

المسألة الثالثة: حول عدم ذكر متعلق الآية قد سبق أن ذكرنا حذف جملة متعلقة بقوله: (إهدنا الصراط المستقيم)، لأن المقصود ليس الهداية إلى الصراط وهو الطريق، بل المأمول وغاية المؤول هو النيل بذي الطريق والسبيل، أي اهدنا الصراط المستقيم إلى البلاد والممالك والقرى والقصبات، وحيث إن الحذف - ولا سيما في أمثال المقام - دليل العموم، فيكون المطلوب أعم، والمقصود بالذات أشمل، وكل ما في حيطة هداية الله وإرشاده وتحت سلطان قدرته وإرادته، هو مورد نظر القارئ الملتفت إلى أطراف المسألة وحدود القضية. ولما كان القراء الكرام مختلفي الآفاق ومتشتتة الأفهام والمدارج، يكون المقصود من ذي الطريق وذي الصراط المستقيم، تابعا لحدود وجوده وإمكانياته واستعداده، فإذا قرأنا الآية فلا نريد منها ما يريد منها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والولي المعظم قطعا وطبعا.

وبالجملة: لا داعي إلى دعوى أنه استدعاء الهداية إلى جهة خاصة، ومملكة معينة من ممالك الوجود، بل هي لطلب الهداية إلى الصراط المستقيم المنتهي إلى أنحاء الخيرات وأنواع السعادات وأقسام الكمالات، والمنتهي إلى رب الراقصات، وإلى المطلوب المطلق والعشق الأول. ويؤيد ذلك: أن المتكلم لا يريد أن يهتدي إلى ما هو في الطريق، ويدعو ربه الهداية إلى الصراط المستقيم بالألسنة المختلفة، بل هو يتمايل ويعشق ويشتهي ويريد - حسب الفطرة واستعدادها - الهداية إلى مالا وراءه شئ ولا بلدة ولا قصبة، فيكون طلبه الهداية إلى " عبادان "، فإنه ليس وراء " عبادان " قرية. ومن هنا يظهر: أن تفسير الصراط المستقيم بالرسول - كما في أحاديث العامة والخاصة (8) - وبالولي وبالأمير وبالإسلام وبغير ذلك (9)، كل ذلك لأجل أنها الطرق إلى الله، والطرق إليه بعدد نفوس الخلائق، وما هو أحسن الطرق مختلف حسب آراء القراء، فيكون هو الإسلام، وهو الإيمان، وهو المؤمن، وغير ذلك، وحيث إن أحسن الطرق هو الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والإنسان الكامل والولي المعظم، فكأنه قيل: اهدنا إلى الإنسان الكامل، المؤدي إلى أصل الوجود ومنبع الخير والشهود، الذي لا يسأل الهداية، بل بهداه اهتدوا، ولا يأمل الثبات عليها، بل بحفظه حفظوا. والله العالم.

المسألة الرابعة: حول عمومية الصراط لا شبهة في أن الطرق إلى الشئ كثيرة، مستقيمة ومعوجة، قريبة وبعيدة، وأن الاستقامة تكون حقيقية وإضافية. وعلى هذا فهل الألف واللام الواردين على الجنس يفيدان الاستغراق، أي اهدنا جميع أنحاء الصرط المستقيمة الحقيقية والإضافية، في مقابل مالا يكون طريقا رأسا ولا سبيلا إلى المطلوب الذاتي والمأمول الأصلي؟أم الألف واللام لا يدلان عليه، ولكن مقدمات الحكمة تدل على أن المطلوب هي الهداية إلى طبيعة الصراط ولا يخص ذلك بصراط خاص، كما إذا قال: أكرم العالم، فإن تلك المقدمات تفيد - حسب ما تحرر في الأصول - أن موضوع الطلب والحكم نفس طبيعة إكرام العالم، من غير نظر إلى خصوصية في الإكرام أو العالم؟وهذا هو التحقيق في محله.

فإذا وصف الصراط بالاستقامة فلابد وأن يراد منه الاستقامة الحقيقية وإلا يكفي طلب الصراط، لأن المستقيم وغير المستقيم - أي المستقيم الحقيقي وغير الحقيقي - مشترك في كونهما صراطا إلى المطلوب الأصلي، فيعلم من هنا: أن النظر في هذا التقييد إلى إخراج الصرط الغير المستقيمة والإضافية عن دائرة الطلب، وحصر المطلوب في الصرط المستقيمة الحقيقية، حذرا عن لزوم كون القيد غير احترازي، كما لا يخفى. فتحصل: أن حسب الصناعة العلمية أن الصراط جنس والاستقامة قيد احترازي، وتكون حقيقية، لا أعم منها ومن الإضافية. إن قلت: اعوجاج الطرق في السفر المعنوي إلى مملكة الوجود والحب، غير اعوجاجها في الأسفار المادية إلى الممالك الملكية، فإن الاعوجاج الثاني لا ينافي الوصول في منتهى السير إلى غاية المأمول ونهاية المسؤول، بخلاف الاعوجاج الأول، فإنه يساوق سقوط الطريق عن الطريقية والصراط عن الهداية رأسا وكلا، فعلى كل تقدير التقييد المزبور ليس احترازيا، لأن إراءة الطريق الغير المستقيم ليس بهداية، فإذا كان المطلوب هي الهداية إلى الصراط فلابد وأن يكون ذلك مستقيما.

قلت: نعم إلا أن الاعوجاج في الطرق المعنوية والأسفار الروحية، لا يلازم سقوط الطريق عن الطريقية، مثلا: الطائفة الأخبارية، والطائفة الأصولية، والطائفة الثالثة من أرباب الفلسفة، أو أصحاب العرفان والإيقان، وغيرهم من سائر الفرق المشتغلين في تحصيل الكمالات المختلفة، كل تؤدي إلى الحق وإلى الجنة الحقيقية مثلا، إلا أن أحقية إحداهما من الأخرى غير واضحة، فتلك الصرط والطرق وإن تنتهي في آخر السفر إلى محل واحد ومكان فارد، ولكنها مختلفة في القرب والبعد وفي الصحة والسقم، وإن كان الكل مشترك الوصول إلى غاية المأمول ونهاية المسؤول.

نعم الاعوجاج عن أصول الطرق - كالاعوجاج عن الإسلام والإيمان - يساوق سقوط الطريق عن الطريقية، ويستلزم الخروج عن طبيعة الهداية المطلوبة، فعلى هذا لا يكون التقييد المزبور خلاف الأصل في القيود، وهو الاحتراز. ذنابة زعم الفخر: أن الإتيان بالصراط بدلا عن السبيل والطريق، للإيماء والتذكرة بصراط الجحيم والنار (10). وأنت خبير: بأن هذه التذكرة تحصل لأجل استعمال الصراط في الجسر الممدود (11) على النار بعد ظهور الإسلام وبعد طلوعه، وما كان هذا معهودا في الجاهلية، ولذلك اشتهر في الكتب اللغوية: أن الصراط عند المسلمين هو الجسر الممدود، وأمثال هذه النكات الباردة كثيرة في كلماته وكلمات الآخرين، ولا ينبغي صرف العمر في تحصيل تلك النكات الغير المعلومة إرادتها حين الاستعمال، مع إمكان تحصيلها في قصيدة كل شاعر بليغ، بل لابد من إمعان النظر في مفادات الكتاب وإفاداته، ومن توجيه الفكرة إلى الحقائق المرموز بها فيه، الخفية على أهل الظاهر والغافلين عن الأسرار والدقائق.

والله يهدي إلى دار الثواب، ويرشد إلى رب الأرباب بمحكمات الخطاب من الكتاب. المسألة الخامسة حول الإتيان بضمير الجمع قد أشرنا فيما سبق منا إلى نكتة الإتيان بضمير الجمع، وكانت هي: أن من المحتمل إمكان الخروج عن المجاز إلى الحقيقة بذلك، فإنه إذا قال الهادي: اهدنا، وكان في الجماعة من الضالين المنحرفين والمعوجين، يصح طلب الهداية، ويكون المقصود اهتداء الناس مثلا، ولكن قد مضى بعض الوجوه الأخر الكافية عن التوصل بمثله للفرار عن المجازية. فبقي سر الإتيان بالجمع، وقد سبق في وجه الإتيان به في جملة (إياك نعبد وإياك نستعين)، ونبهنا هناك إلى أن الناس والمشركين كانوا يعبدون الأصنام مجتمعين، ويستعينون بها في ذلك الاجتماع الحاصل منهم في الحرم، فبعد التوجه إلى الإسلام وترك الأصنام بالانصراف إلى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، أخذوا في الترنم، وقالوا بلسان واحد: (إياك نعبد وإياك نستعين)، دون الأصنام والشياطين، وعلى هذه الهداية اهدنا الصراط المستقيم (12). وغير خفي: أن جميع الوجوه التخيلية السابقة، واللطائف المزبورة فيما مضى، تأتي هنا، ولا نطيل الكلام بإعادتها.

تذنيب

" إهدنا " بعث إلى هداية القارئ ومن يقصده من الناس، فإذا كان غيره مثله في الحاجة إلى الهداية، فيكون البعث بداعي تحقق ذلك، وإذا كان غيره لا يماثله فيها، فيكون هذا البعث الواحد منحلا إلى بعوث، أو يكون البعث الواحد بدواع مختلفة ومتشتتة، مثلا: إذا كان القارئ يدعو ربه للهداية التكوينية إلى الكمالات الخاصة، ويكون غيره مثله في ذلك، فالبعث واحد بداعي ذلك، ولو كان القارئ يدعوه لهدايته التكوينية، وغيره محتاج إلى أصل الهداية إلى الشرائع، فيختلف الدواعي باختلاف ذلك، من غير لزوم استعمال الهيئة في أكثر من معنى واحد، بل الهيئة: إما تستعمل في معنى واحد بدواع شتى، أو تنحل إلى الكثير، والأول هو الأوفق بالاعتبار، فكما لا يلزم المجازية في إرادة النوع الخاص أو الأنواع المختلفة من المادة، وهي الهداية، لا تلزم في ما إذا كانت الدواعي كثيرة مختلفة النوع، فلا تخلط.

المسألة السادسة: حول الربط بين هذه الآية والسابقة هناك سؤال عن الربط بين هذه الجملة (إهدنا الصراط المستقيم) والجمل السابقة مع حذف حرف الربط المشعر بنهاية العلقة والارتباط بينها. وربما يقال: إن القارئ الطالب - بعد المدح البليغ والثناء الجميل - توجه إلى توجيه عبادته إليه بقوله: (إياك نعبد)، وحصر استعانته فيه بقوله: (إياك نستعين)، ثم تنبه إلى أن هذه هي الهداية، فلابد من المحافظة عليها، فقال: (إهدنا الصراط المستقيم) بداعي أن يحافظ عليها، لا أن يهديه من الضلالة - مثلا - أو أن حصر الاستعانة فيه - جل وعلا - قولا وادعاء غير حسن، فلابد من إشفاع العمل بذلك القول والادعاء، فاستعان به استعانة بالحمل الشائع بقوله: " اهدنا "، ولذلك يحصل بين الجملتين كمال الارتباط، فإن إحداهما حصر الاستعانة بمفهومها الأولي فيه تعالى، والثانية ذكر مصداقها بالحمل الشائع الصناعي، وحيث إن حرف العطف يورث نوعا من المغايرة حذف إيماء إلى نهاية الملاءمة بينهما. وغير خفي: أن النظر ليس إلى حصر طلب الهداية في البقاء على الهداية الموجودة، وهي العبادة وغيرها، بل هذا الطلب - أيضا - كلي، يستدعي الهداية الكلية بالنسبة إلى جميع أنحاء الضلالات - التكوينية والتشريعية - بالدواعي المختلفة الكثيرة، المنتهية إلى بقاء الموجود وإحداث المعدوم، وحيث ذلك كله استعانة بالحق الجليل، جئ محذوفا حرف الربط، ومشفوعا بتلك الجملة، وكأنه يريد أن يترنم لصدق مقالته التي ادعاها بقوله: (إياك نستعين)، بقوله: (إهدنا الصراط المستقيم).


1- التفسير العسكري المنسوب إلى الإمام: 44 / 20، معاني الأخبار: 33 / 4.

2- نفس المصدر.

3- نهج البلاغة: كتاب 53.

4- التفسير الكبير 1: 255 - 256، تفسير القرآن الكريم، صدر المتألهين 1: 93.

5- راجع كفاية الأصول: 138، وتحريرات في الأصول 2: 225.

6- راجع تفسير التبيان 1: 41.

7- تحريرات في الأصول 2: 77 وما بعدها.

8- معاني الأخبار: 36 / 7، الدر المنثور 1: 15، تفسير البرهان 1: 52 / 39.

9- راجع معاني الأخبار: 32 / 2 و 3 و 7 و 8، وتفسير البرهان 1: 51 - 52.

10- راجع التفسير الكبير 1: 257.

11- راجع أقرب الموارد 1: 643.

12- راجع الفاتحة: الآية 5، البلاغة والمعاني، الأمر الرابع.