القراءة واختلافها

1 - لا شبهة في جواز إظهار الهمزة وإسقاطها في الكلام بوصل الجملة إلى الجملة السابقة، لأنها همزة الوصل، وإذا أظهرها يكسرها، لأنه الأمر على وزن اضرب، فيقول: (إهدنا)، وفي جواز إظهارها - بعدما أظهر إعراب النون من قوله: (نستعين) - وعدمه وجهان، المعروف هو الثاني.

2 - الظاهر عدم جواز إظهار الياء، وأما إمالة الكسرة إلى جانب الياء فهو غير بعيد جوازه، ولم يظهر لي بعد تعرضهم لذلك ولو كان إظهارها غير مناف لآداب العربية بعد ما لم يكن مضرا بالمقصود، فجوازه قريب، إلا أن ما تعارف من القراءة هو المتواتر منها وجواز العدول عنه إلى غيره يحتاج إلى الدليل، لأنه معناه الخروج عن التنزيل والوحي.

3 - والجمهور على قراءة " الصراط " بالصاد، وهي لغة قريش (1).

4 - وعن ابن كثير عن يعقوب قراءته بالسين.

5 - وعن حمزة إشمام الصاد زاء.

6 - وروي عن أبي عمرو: أنه قرأ " إهدنا الزراط المستقيم " بالزاء الخالصة.

7 - وقيل: روى الكسائي عن حمزة بالزاء، وسائر الرواة رووا عن أبي عمرو " الصراط " وقال ابن مجاهد، قرأ ابن كثير بالصاد، واختلف عنه، وقيل: قرأ يعقوب الحضرمي بالسين، هكذا في " اللسان " (2). وفي العباب: وقرأ حمزة بن حبيب في رواية الفراء عنه، وعن الكسائي في رواية ابن ذكوان عنه، وعن عاصم في رواية مجالد بن سعيد عنه: (إهدنا) بالزاء الخالصة الصافية من غير إشمام. فعلى هذا يلزم - حسب مذهب بعض فقهائنا - جواز كل هذه القراءات، لعدم الاحتياج إلى التواتر في جوازها، ويكفي عدم الإخلال بالمعنى مع الموافقة للقواعد لجوازها. وأنت قد عرفت سابقا ممنوعية التجاوز عما في أيدينا، وإلا يلزم جواز تبديل " الصراط " بالسبيل والطريق، لأن قراءة كل أحد إذا كانت كافية لكانت قراءتنا أيضا كافية، فتبديل الصراط بالسراط كتبديله بالسبيل حسب ما تحرر.

7 - في جواز الوقف على (إهدنا) بإظهار همزة " الصراط " وعدمه، وهكذا إظهار همزة " ألمستقيم " وعدمه، وجهان، بل قولان من: أنه خروج عن المتعارف في القراءات ولحن عرفا، ومن أنه لا يضر بالمعنى، وليس من موارد الممنوعية وقفا. وهنا ثالث الأقوال وهو: أنه لا يجوز ذلك ابتداء، فيقرأ هكذا: " إهدنا - الصراط - ألمستقيم "، ولكنه إذا فرغ من القراءة ثم توجه إلى أنه أخل بحرف في الكلمة الأخيرة، فيجوز له أن يعيدها من غير إعادة الموصوف، أو احتمل الإخلال بالموصوف، فأعاده مع وصفه من غير إعادة الجملة السابقة، وهي (إهدنا). بل جاء في بعض المتون الفقهية: إذا انقطع نفسه في مثل (الصراط المستقيم) بعد الوصل بالألف واللام وحذف الألف، هل يجب إعادة الألف واللام، بأن يقول: " ألمستقيم "، أو يكفي قوله: مستقيم؟الأحوط الأول، وأحوط منه إعادة " الصراط " أيضا، وكذا إذا صار مدخول الألف واللام غلطا، كأن صار " مستقيم " غلطا، فإذا أراد أن يعيده فالأحوط أن يعيد الألف واللام أيضا، بأن يقوله: " ألمستقيم "، ولا يكفي قوله: " مستقيم " (3). انتهى.

8 - حكي عن زيد بن علي والحسن والضحاك قراءته هكذا: " إهدنا صراطا مستقيما ".

9 - ونسب إلى الصادق (عليه السلام) " صراط المستقيم " بالإضافة (4). وفي النسبة تأمل جدا، بل ممنوع قطعا، ومجرد كونه في بعض الأخبار غير كاف لصحتها، فكم من خبر سقيم نسب إلى أهل بيت النبوة (عليهم السلام) ظنا أن ذلك إسقاط لحقهم وحط لقدرهم. والله وليهم الحق.

10 - وعن ثابت النباتي: " بصرنا الصراط "، هكذا حكاه أبو حيان (5)، ولعله خلط بين تفسير " إهدنا " والقراءة. والله العالم. النحو والإعراب اعلم أن الآية الشريفة تدل على جواز حذف حرف الجر، ضرورة أن " الصراط المستقيم " مفعول مع الواسطة، وليس هو المفعول الثاني، لأن ميزان المفعول الثاني عن المفعول مع الواسطة، جواز حمل الثاني على الأول، كقولهم: علم زيد عمرا جالسا، فإن الجالس يحمل على عمرو، بخلاف " الصراط المستقيم "، فإنه لا يحمل على الضمير وإن كان بارزا، أو كان هو الاسم الظاهر، فما يظهر من أرباب الأدب والتفسير خال عن التحصيل، كما أشير إليه، ومر تفصيله.

ثم إن " إهدنا " في موضع رفع ونصب وجر، وضميره المتصل في موضع النصب، لأنه المفعول الأول، والمراد من قول أبي حيان: إنه في المواضع الثلاثة (6)، أي إنه تابع للجملة السابقة، وقد مر: أن (مالك يوم الدين)، يجوز أن يقرأ على ثلاثة أوجه، وهكذا السابقة عليها. وإني بعد لم يظهر لي معنى كون مثلها في موضع الإعراب، بل التحقيق أن الإعراب من أحوال الكلمات بما هي واقعة في الجمل التصديقية، وليست الجمل ذات إعراب، ولا في وضع ذوات الإعراب، سواء كانت مسبوقة بالجمل أو غير مسبوقة، وسواء كانت مرتبطة بالجملة الأولى أو غير مرتبطة.

نعم الجمل الناقصة الواقعة صفة أو غيرها تقع في موضع الإعراب، فما أفاده القوم وبينه ابن هشام - في الباب الثاني وغيره من الأبواب - حول موضع إعراب الجمل (7)، خال عن التحقيق. ومما يؤيد ما ذكرناه: أنهم قالوا في تفسير علم النحو: إنه العلم بأواخر الكلمات إعرابا وبناء، مقابل الصرف، فإنه العلم بها صحة واعتلالا. مسألة: حول تذكير الصراط حكي عن أهل الحجاز: أنهم يؤنثون الصراط، كالطريق والسبيل والزقاق والسوق، وبنو تميم يذكرون (8) هذا كله. وقيل: تذكيره هو الأكثر (9)، فهل الآية الشريفة تدل على أن الصراط مذكر لتوصيفه بالمستقيم، أم هي لا تدل عليه، لأجل إمكان كون التذكير لمراعاة القافية والسجع، ولو لم يجز ذلك مراعاة لها فهو في التأنيث الحقيقي دون مثله؟أقول: الظاهر أن النسبة المزبورة غير صحيحة، لأن الكتاب العزيز - مع اشتماله على الصراط كثيرا - لا يوجد حتى في مورد تعامل معه معاملة المؤنث. فبالجملة: يستفاد من هذه الآية وأمثالها أنه مذكر، وأنه في منطقة الوحي والتنزيل كان يذكر، فلا تخلط. تنبيه: حول وزن الآية قوله: (إهدنا الصراط المستقيم) من صاحبات الأوزان والبحور، ويجوز أخذه مصراعا لبيت.

ومن العجيب أنه يقرأ على كيفيتين: إحداهما صاحبة الوزن، والأخرى ليست كذلك، وقد اشتهرت القصيدة السحرية ذات الوضعين والبحرين، باختلاف القراءتين، أي باختلاف كيفية أداء الحروف وكيفية الحركات والسكنات، فليتدبر حتى تعرف المقصود، وتلتفت إلى المأمول. إيقاظ: حول منتهى الصراط طلب الهداية إلى الصراط المستقيم من الكناية إلى أنه يريد طلب الخيرات والسعادات بهدايته إلى طريقها المستقيم وإلا فليس النظر مقصورا في الهداية إلى نفس الصراط المستقيم. فهناك محذوف، وهو متعلق بالصراط المستقيم، أي اهدنا الصراط المستقيم الذي هو إلى السعادة المطلقة، وإلى الكمال والجمال المطلق، وإلى الحسنات والخيرات الدنيوية والأخروية الكلية والجزئية. وسيأتي في بعض المباحث الآتية احتمال كون السعادة نفس ذلك الصراط المستقيم والعدالة المتوسطة بين الإفراط والتفريط، ولا شئ وراءه.


1- راجع في هذه الأقوال واختلاف القراءات إلى البحر المحيط 1: 25، وروح المعاني 1: 86.

2- راجع لسان العرب 7: 340.

3- راجع العروة الوثقى 1: 502.

4- البحر المحيط 1: 27، روح المعاني 1: 88.

5- البحر المحيط 1: 27.

6- البحر المحيط 1: 25.

7- راجع مغني اللبيب: 210 - 220.

8- تفسير التبيان 1: 42.

9- راجع البحر المحيط 1: 25.