علم الأسماء والعرفان

اعلم أن " الملك " و " المالك " - بحسب الاعتبار في تقسيم الأسماء الإلهية - من أسماء الذات، ومن العجب عدم تعرض الشيخ للمالك في تقاسيمه، ولعله اكتفى بالملك عنه (1)، لأنه وهو كما عرفت بمعنى واحد مطلقا أو في الناحية المقدسة خصوصا وما في بعض الكتب السطحية أن " الملك " من أسماء الذات دون " المالك "، فهو من الغلط، كما في القرطبي (2)، لأنه كما لا يتصور المالك بدون المملوك، لا يتعقل الملك بدون الرعية، فلو كان منشأ تخيله: أن " المالك " اسم الفعل ومن صفات الأفعال، هذا فإن " الملك " مثله، كما لا يخفى. ولكن الذي هو مناط ذلك أمر آخر يأتي تفصيله في سورة البقرة - إن شاء الله تعالى - وهو من مشكلات المسائل العرفانية والإلهية. ثم إن مقتضى ما تحرر وتقرر: أن لكل اسم مظهرا يخصه في النشآت العلمية والعينية، وما هو المظهر في النشأة الظاهرة العينية، هو المظهر في النشأة الغيبية العلمية، وإن كان ما به الظهور مختلفا، فإن الظهور في الثاني بالفيض الأقدس، وفي الأول بالفيض المقدس (3) والنفس الرحماني، فينتهي الأمر هنا إلى ما هو مظهر مالكيته تعالى وملكيته في يوم الحساب، وما به تعين تلك الملوكية والمالكية، فهل هو من الموجودات المجردة المحضة، فإنها غير قابلة للرؤية لجميع الآحاد والأشخاص، فإن مالك يوم الدين لابد وأن يكون بوجه يصدقه كل أحد نوري وناري، ولو كان معنى مالكيته في يوم الدين بغير هذا الوجه، لكان هو مالك الدنيا والآخرة، كما هو مالك يوم الدين من غير تفاوت واختلاف. فعلى هذا لابد من مظهر يناسب جميع الآفاق وكل الناس والأشخاص، وهو ما في رواية " مشارق الأنوار " عن الصادق (عليه السلام): " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا علي أنت ديان هذه الأمة والمتولي حسابها، وأنت ركن الله الأعظم يوم القيامة، ألا وإن المآب إليك، والحساب عليك، والصراط صراطك، والميزان ميزانك، والموقف موقفك " (4). وعن " تفسير الفرات ": " إن إلينا إياب هذا الخلق، وعلينا حسابهم " (5). وعن " المناقب " عن الباقر (عليه السلام) في قوله: ﴿إن إلينا حسابهم﴾: " إن إلينا إياب هذا الخلق وعلينا حسابهم " (6) ومثله في الزيارة الجامعة (7). فبالجملة: لابد - بحسب القواعد العقلية والكشف العرفاني - من مظهر في القيامة هو في قوس الصعود، وما هو الأليق بالمظهرية أولا هو الرسول الأعظم، وباطنه علي (عليه السلام)، فيكون بيده يوم الدين. وبعبارة أخرى: هو تعالى مالك يوم الدين، فذاته اعتبار مقدم على مالكيته، فهو يكون مالكا وملكا بالقدرة والسيطرة، وتلك القدرة والسيطرة والسلطنة ظهور السلطنة الذاتية، وهو الظاهر في تعين من التعينات بنحو الإجمال، وليس هذا إلا في مثال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والولي الأعظمين، فافهم ولا تكن من الجاهلين.

إيقاظ

" المالك " من الأسماء المرؤوسة، ويندرج تحت الاسم الظاهر من أمهات الأسماء، وله الظهور في جميع النشآت الغيبية والشهادية، لأن بظهور القدرة والعلم يعتبر السلطنة على كافة الأعيان العلمية والعينية، فهو تعالى مالك قبل خلق السماوات والأرضين، ومسيطر وله السلطنة والاقتدار على تلك اللوازم والأعيان، وهذا الاسم من الأسماء الجلالية المقتضية لعدم غيره " غيرتش غير در جهان نگذاشت ".


1- رسالة إنشاء الدوائر : 28 - 30 ، مصباح الانس : 112 - 113 ، شرح فصوص الحكم ، القيصري : 14.

2- الجامع لأحكام القرآن 1 : 143.

3- شرح فصوص الحكم ، القيصري : 18.

4- مشارق أنوار اليقين : 180.

5- تفسير فرات الكوفي : 207.

6- مناقب آل أبي طالب 3 : 107.

7- تهذيب الأحكام 6 : 97 / 177 ، الفقيه 2 : 372 / 1625.