النحو والإعراب

وهنا مسائل:

المسألة الأولى: حول إعراب " مالك " من قرأ بخفض الكاف - كما عن المشهور وعليه السبعة والآخرون - فهو على الوصف والنعت. ومن قرأ بفتح الكاف فهو على القطع أو النداء، أو الحالية بناء على صحة التأويل، أي مالكا يوم الدين، كما يأتي قراءته هكذا. وهذا هو المحكي عن جماعة تأتي أسماؤهم عند ذكر اختلاف القراءات، ومنهم محمد بن السميقع - المزبور ذكره - والأعمش وعثمان بن أبي سليمان وعبد الملك قاضي الهند، وعن ابن عطية هو قراءة عمر بن عبد العزيز وأبي صالح السمان. وفيهم من فتح الكاف، لكونه فعل ماض، كما يأتي ذكره عند البحث عن اختلاف الأصحاب في القراءة. ومن قرأه بالرفع فهو إما على الخبرية، كما سلف للمتبدأ المذكور، وهو " الرحمن الرحيم "، أو للمبتدأ المحذوف، وهو المنسوب إلى شيخ المضيرة (1) وأبي حياة، وأيضا إلى ابن عبد العزيز، وعن صاحب اللوامع: أنه قراءة ابن شداد العقيلي البصري. وفيهم من قرأ الكاف بالتنوين مرفوعا، وهو المحكي عن خلف وابن هشام وأبي عبيد وأبي حاتم، وهو أيضا على الخبرية بأحد الوجهين السابقين (2). وغير خفي: أن الأصحاب خلطوا بين مسائل اختلاف القراءات في الكلمة، وبين اختلاف القراءات في الكلام، فإن الأولى تذكر في البحث الآتي، والثانية لابد وأن تذكر في ناحية البحث عن الاعراب.

المسألة الثانية: حول إضافة " مالك " هل إضافة " المالك " أو " الملك " أو غيرهما من الإضافة اللفظية، فيكون المضاف إليه معموله أو مفعوله، أي هو مالك يوم الدين كما أن زيدا مالك الدار، فيوم الدين مملوكه تعالى اعتبارا، أم هذه الإضافة معنوية، وليست لفظية، وتقديره: أنه مالك في يوم الدين، من غير لزوم كون المضاف مظروفا للمضاف إليه وحدا محيطا به، كما لا يخفى. قال ابن حيان: ومن قرأ بجر الكاف فعلى معنى الصفة، فإن كان بلفظ " ملك " على " فعل " بكسر العين أو إسكانها، أو " مليك " بمعناه فظاهر، لأنه وصف معرفة، وإن كان بلفظ " مالك " أو " ملاك " أو " مليك " محولين من " مالك " للمبالغة، وكان بمعنى الاستقبال - كما هو الظاهر - لأن اليوم لم يوجد، فهو مشكل، لأن اسم الفاعل إن كان بمعنى الحال أو الاستقبال، فإنه تكون إضافته غير محضة، فلا يتعرف بالإضافة، وإن أضيف إلى معرفة فلا يكون - إذ ذاك - صفة، لأن المعرفة لا توصف بالنكرة، ولا بدل نكرة من معرفة، لأن البدل بالصفات ضعيف. ثم قال: وحل هذا الإشكال وهو: أن اسم الفاعل إن كان بمعنى الحال والاستقبال جاز فيه وجهان، وبذلك تنحل المعضلة (3).

ملخص مرامه. أقول: قد عرفت أن اتصافه تعالى بالمالك ليس له معنى وراء اتصافه بالملك وغيره، والكل بحسب المعنى واحد، وهو المسيطر على يوم الدين أو المسيطر على الخلائق في يوم الدين، والثاني أرجح لعدم الحاجة إلى التقدير، كما هو الظاهر، فهو تعالى مالك يوم الدين، ويكون يوم الدين ظرف قدرته وسطوته وجبروته بوجه من الظرفية، لا كظرفية المملكة لسطوة السلطان. ثم إن يوم الدين - وهو يوم القيامة - الآن موجود بضرورة العقل والنقل، ويدل عليه روايات المعراج وآياته، كما يأتي إن شاء الله تعالى. وبالجملة: على هذا لا يكون من الإضافة اللفظية، لأن المضاف إليه ليس مفعوله ولا فاعله، كما في إضافة الصفة المشبهة، كقولهم: حسن الوجه، فإنه معناه حسن وجهه، بل هو من الإضافة المعنوية، ولا برهان على أن إضافة أسماء الفاعلين والمفعولين من اللفظية، وإلا لما كان وجه لأن يذكر لها الشروط، فعند انتفاء أحد الشروط تكون الإضافة معنوية بتقدير أحد حروف الجر. هذا، مع أن يوم الدين إذا كان موجودا بالفعل، فهو الوصف الذي جاء بمعنى الماضي والاستمرار، فيقع نعتا للمعرفة، كما صرح به أهله. وأما إضافة " يوم " إلى " الدين " فهي أيضا معنوية بتقدير اللام، أي مالك على يوم للجزاء والانتقام. ومن الممكن دعوى: أن المضاف إلى الدين هو المالك المضاف إلى اليوم، كما ذكرناه في إضافة الاسم إلى " الله " وإلى " الرحمن "، وله نظير في الفقه غير خفي على طلابه ورواده. ومما حصلناه إلى هنا تبين نقاط ضعف كثير في كتب القوم صدرا وذيلا:

1 - في معنى الملك مادة،

2 - وفي هيئة المالك،

3 - وفي أنها ليست مادة متعدية،

4 - وفي إضافة المالك أو الملك أو غيرهما، وغير ذلك مما أشير إليه، وسيتبين المواقف الأخرى طي المباحث الآتية إن شاء الله تعالى.

تنبيه

لو سلمنا: أن إضافة المالك إلى يوم الدين من الإضافة اللفظية، فتوصيف المعرفة بها أيضا، جائز، وذلك لأن ما اشتهر من منعه فهو مخصوص بما إذا كان الوصف نكرة محضة، دون ما إذا كانت مخصصة، ضرورة أن المدار على حسن الاستعمال وموافقة الطباع، دون القواعد الاختراعية النحوية الوهمية. وإني قد صرفت مدة من عمري العزيز في تحريرها، وبالغت في البحث عنها، حتى علقت الحواشي على شرح الرضي (رحمه الله) (4) وكنت أباحثه، وادرس الدروس البالية من المغني مع إبراز النظر فيها، ولكن مع الأسف إن المعتبر من بينها ما يوافقه الوجدان والذوق، دون تلك التخيلات الباردة، فلاحظ وتدبر جيدا.


1- يعني أبا هريرة . والمضيرة طعام يطبخ باللبن المضر ، أي الحامض.

2- هذه الوجوه مذكورة في البحر المحيط 1 : 20.

3- البحر المحيط 1 : 21.

4- الحواشي على شرح الرضي ( رحمه الله ) مع كثير من تأليفاته في الفقه والأصول والحكمة والرجال مفقودة.