القراءة والإعراب

إجماع القراء السبعة على الجر، لكونه نعتا، وعن زيد بن علي وطائفة بالنصب (1) بإضمار فعل أو على النداء، فيكون على المدح، وهي - على ما قيل - فصيحة لولا خفض الصفات بعدها، لأنهم نصوا على أنه لا اتباع بعد القطع في المنعوت، إلا أن زيد بن علي (عليه السلام) قرأ الثلاثة بالنصب، فلا يكون ضعفا بعد تلك القوة فرضا، مع أن " الرحمن " عند الأعلم علم، فلا يكون ضعفا أيضا من تلك الناحية، لأنه عند ذلك يصير بدلا لا نعتا، وفي قول، قراءته بالرفع على القطع، فيكون خبرا لمبتدأ محذوف هو وهو. والنصب على الحالية ممكن لإرجاعه إلى النكرة، أي الحمد لله ربا للعالمين، كما يقال جاءني زيد وحده، أي منفردا. قال ابن مالك: والحال إن عرف لفظا فاعتقد * تنكيره معنى كوحدك اجتهد (2) أي منفردا. واحتمال كون " رب " فعلا ماضيا محكي عن بعض، ولكنه خلاف القواعد، ومخالف لما يتبادر منه في الآية. ثم اعلم: أن هذه الإضافة - حسب الاصطلاح - لفظية، لأنه من إضافة المشتق إلى معموله، وقد مر أن الرب وإن كان بحسب الهيئة كصعب صفة مشبهة، إلا أنه إما بمعنى الفاعل، كنصير بمعنى ناصر، وأما سميع وبصير وإن كانا من المادة المتعدية إلا أن اعتبارهما من اللازم، ولا يكونان بمعنى السامع والباصر، فإن ترجمة " السميع والبصير " بالفارسية: شنوا وبينا، وترجمة السامع والباصر: شنونده وبيننده، ومثلهما النصير، فإنه معناه بالفارسية: ياور، ومعنى الناصر: يارى كننده، أو اسم الفاعل مخففا كالبار والبر بناء على كون البر بمعنى من يصدر منه البر بالكسر، وأما لو أريد منه، من يقوم به الفعل الحسن في الاعتبار، كما في الفارسية نيكو كار، فإنه لازم غير ما إذا قيل، نيكوئى كننده أو مصدر بمعنى الفاعل. وعلى أي تقدير: هو من إضافة العامل إلى مفعوله، واحتمال كونه من إضافة لعامل إلى الظرف، فيكون تقديره هكذا: رب وسيد في العالمين - مثلا - فهو مبني على أن يراد من الرب السيد، وقد مر أن السيد ليس من معانيه المطابقية، بل تلك المعاني مصاديق المعنى الواحد. فعلى هذا تحصل: أن الرب يمكن أن يترجم بالفارسية به " پروردگار "، فتكون الإضافة إلى غير المعمول، ويمكن أن يترجم به " پرورش دهنده "، فتكون الإضافة لفظية، فتأمل.


1- البحر المحيط 1 : 19.

2- الألفية ، ابن مالك : الحال ، البيت 5.