علم الحروف والأعداد والأوفاق

نقل القرطبي عن الصادق عليه الصلاة والسلام - في قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ﴾ -: " من حمد بصفاته كما وصف نفسه فقد حمد، لأن الحمد حاء وميم ودال، فالحاء من الوحدانية، والميم من الملك، والدال من الديمومية، فمن عرفه بالوحدانية والديمومية والملك فقد عرفه، وهذا هو حقيقة الحمد لله " (1)، انتهى. وإجمال هذا المجمل: أن الإحاطة العرفانية بالذات الوحدانية هو العرفان بالقدم، فإذا عرفه بالقدم والبقاء، وأن كل ما في الوجود - وما تحت هذا العنوان - تحت ظله، فقد عرفه حقيقة، فإذا لا حقيقة للحمد إلا عرفانه القلبي فإنه الحمد الأخص، الذي لا يناله إلا الأوحدي. ثم اعلم أن طريق استكشاف تلك البارقة، وسبيل عرفان أن الحاء تنتهي إلى الوحدانية، والميم إلى الملك، والدال إلى الديمومية حسب الحساب، لا يمكن أن ينال إلا بعد الاطلاع على رموز الأسماء الإلهية بالارتياضات النفسانية. فاعلم أن الحاء من أسرار الحياة (2)، وعددها (3)، لأنها من نسبة الكرسي، وهو في أول الدرجة من الفلك، ولها الخواص الكثيرة، والملك الموكل عليها - على ما قيل - " طفيائيل "، فاكتب الحرف، وادخل الخلوة، واقرأ الأسماء، فتقول: يا حرف الحاء إلا ما أجبت وأجلبت لي الملك " طفيائيل "، فيحضر بعون الله وقوته وإذنه، ويقضي حاجتك إن شاء الله تعالى، ولتكن حاجتك الاطلاع على الوحدانية اطلاعا عرفانيا. وقيل: يقرأ ويريد منه دبر كل صلاة (18) مرة. وهنا بعض الطلسمات والتركيبات المذكورة في المفصلات، وتحت ذلك سر الأحدية والواحدية والمحبة الذاتية. واعلم أن الميم ثلاث عوالم (4): الملك والملكوت والجبروت ولها الخواص الكثيرة، ومنها: أنه إذا كتب أربعين مرة - ومعه يكتب ﴿محمد رسول الله...﴾ إلى آخر الآية - العدد المذكور، وحملها الإنسان، فتح الله له الأمور الخفية، ووفقه للكشف عن عالم الملك والملكوت. وهذا هو معنى " أن الميم ملك الله ". والملك الموكل عليه " مهيائيل "، فإذا أردت إحضار الميم بإحضار الملك، فله خلوة تدخلها، وتكتب الميم في الحائط، وتتكلم عليه بالدعوة أربعين مرة، فإن الملك - بعون الله - يحضر، ويقضي حاجتك إن شاء الله تعالى. والاستخدام يمكن بتلاوة الدعوة دبر كل صلاة أربعين مرة وأنت تقول: " أجب يا خادم حرف الميم، وأعطني من روحانيتك روحا يخدمني فيما أريد "، وتلك الدعوة والدعاء مسطور في المفصلات، ولتكن دعوتك الإحاطة العرفانية بالملك. واعلم أن الدال - على ما قيل (5) - من الحروف الباردة الرطبة، ربما استكملت به الطبائع الأربعة واعتدلت، ولها الخواص والآثار. ومنها: أنها إذا كتبت مع اسم أول الدال ك? " ديان " و " دائم " في لوح مربع، وحمله إنسان، وكتب في كل ناحية من الوفق أربع دالات، فإنه محبة عظيمة. فبالجملة: حرف الدال من أسرار الديمومية، وهي مغناطيس القلوب في المحبة، وله الخلوة الجليلة، وخادمه " شلهائيل "، فإذا أردت استخدامه فتربص (28) يوما، وامكث في الخلوة (14) يوما، وتتلو الدعوة دبر كل صلاة، فإنه يحضر بعون الملك الوهاب، ويخاطبك - إن شاء الله - بما تريد وتشتهي، وهي صورته في الأوفاق، وتلك الدعوة بصيغتها مسطورة في المفصلات.

نقل وإيقاظ

في بعض التفاسير عن علي (عليه السلام) لما حكي عن عهد موسى (عليه السلام) أن شرح كتابه كان أربعين جملا: أنه (عليه السلام) قال: " لو أذن الله ورسوله لأشرع في شرح ألف الفاتحة حتى تبلغ مثل ذلك، يعني أربعين وقرا أو جملا " (6). وعنه (عليه السلام) أنه قال لابن عباس: " إذا صليت العشاء الآخرة فألحقني إلى الجبان. قال: فصليت ولحقته وكانت ليلة مقمرة. قال: فقال لي: ما تفسير الألف من الحمد؟قال: فما علمت حرفا فيها أجيبه، قال: فتكلم في تفسيرها ساعة تامة. قال: ثم قال لي: ما تفسير اللام من الحمد؟قلت: لا أعلم، فتكلم في تفسيرها ساعة، ثم قال: ما تفسير الحاء من الحمد؟قال: فقلت: لا أعلم، فتكلم في تفسيرها ساعة تامة. قال: ثم قال: ما تفسير الميم من الحمد؟إلى أن قال: ما تفسير الدال؟قلت: لا أدري، فتكلم فيها إلى أن برق عمود الفجر، فقال لي: قم يا أبا العباس إلى منزلك، فتأهب لفرضك. قال أبو العباس، عبد الله بن العباس: فقمت وقد وعيت كل ما قال، ثم تفكرت فإذا علمي بالقرآن في علم علي (عليه السلام) كالقرارة في المثعنجر " (7).

الموقف الثاني: حول قوله تعالى: ﴿رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾


1- الكافي 1 : 16 / 14.

2- الجامع لأحكام القرآن 1 : 134.

3- انظر شمس المعارف الكبرى : 404 - 405.

4- المصدر السابق : 408.

5- انظر شمس المعارف الكبرى : 402.

6- بحار الأنوار 89 : 104 / 83.

7- نفس المصدر.