الإعراب والنحو

إن قرأناه على الرفع فيكون المبتدأ وخبره محذوفين تعلق بهما الجار والمجرور والظرف مستقر، أي الحمد يكون لله، أو ثابت له تعالى ومستقر له، أو يثبت لله ويستقر له، ويمكن جعله ظرفا لغوا، أي الحمد اعتبر وأنشئ لله، أي ملكا له تعالى، والمتعين هو الأول. وإن قرأناه على النصب فقيل: لابد من عامل تقديره: أحمد الله، أو حمدت الله، لتخصيص الحمد بتخصيص فاعله، وأشعر بالتجدد. ويكون في حالة النصب من المصادر التي حذفت أفعالها وأقيمت مقامها، وذلك في الأخبار نحو شكرا لا كفرا. وقدر بعضهم العامل للنصب فعلا غير مشتق من الحمد، أي أقول: الحمد لله، أو الزموا الحمد لله، كما حذفوه من نحو " اللهم ضبعا وذئبا ". وقال ابن حيان: " والأول هو الصحيح لدلالة اللفظ عليه، وفي قراءة النصب اللام للتبين " (1).

أقول: هذا غير معقول، لأن النصب لابد وأن يستند إلى عامل مذكور أو محذوف أو عامل معنوي، كالابتداء - مثلا - في المبتدأ. فإذا قيام المصدر مقام فعله لا يكفي لنصبه، فإن نفس القيام لا يقتضي النصب. فما اشتهر غير راجع إلى محصل. فالحمد لله، على النصب معناه: أحمد الحمد لله، وهذا بحسب الدقة غير صحيح، لأن الحمد لا يحمد، ولكنه من قبيل قولهم: " كل ذنب أذنبته وكل خطيئة أخطأتها "، فإن المتكلم يريد الاستغفار من كل ذنب ارتكبه، ولا يعقل أن يجعل الذنب هو، فأخذ مادة الذنب في الفعل لا تدل على شئ، والهيئة تدل على الصدور، أي كل ذنب وخطيئة أصدرته وأوجدته، فأحمد الحمد لله، أو أوجد الحمد لله، واخصص الحمد لله... وهكذا مما يناسب مقصوده. وإذا قرأناه على الجر والكسر فهو لأجل اتباع الدال اللام في حركتها (2) وهذا هو الاكتساب من المجاورة، كما قيل في قوله تعالى: ﴿وجعلنا من الماء كل شئ حي﴾ (3) فإن قضية القواعد احتياج الفعل هنا إلى مفعولين، فلو كان " حي " صفة لشئ، يلزم كون " جعل " بمعنى خلق، ويصير من أقسام الجعل البسيط، وهو خلاف الأصل فيه، فالمعنى هكذا: جعلنا من الماء كل شئ حيا، ولكنه مجرور بالمجاورة فتأمل.


1- البحر المحيط 1 : 19.

2- انظر الكشاف 1 : 10 ، والبحر المحيط 1 : 18 ، والجامع لأحكام القرآن 1 : 136.

3- الأنبياء ( 21 ) : 30.