التجويد والقراءة

وفيها مسائل:

المسألة الأولى: حول إظهار همزتهما هل يجوز الوقف وإظهار همزة " الرحمن "، أو الوقف عليه وإظهار همزة " الرحيم " أم لا؟ظاهرهم الجواز، لأنه من الوقف الكافي، وقد مر البحث حوله عند الكلام عن قراءة ﴿بِسْمِ اللّهِ﴾، وربما يشير الوقف على الموصوف والوصف الأول والوصف الثاني إلى اختلاف نظام الجملة، ويصير الكلام أحيانا غلطا، أو غير بليغ وفصيح، وخارجا عن المتعارف، فإنه في هذه الصورة لا يجوز البدار إليه، فتأمل جدا.

المسألة الثانية: في إدغام لام التعريف في الراء لا خلاف بين القراء في لزوم إدغام لام التعريف في اللام، وهذا - على ما قيل - في ثلاثة عشر حرفا: الصاد والضاد والسين والشين والطاء والظاء والدال والذال والراء والزاء والتاء والثاء والنون، ولا خلاف بينهم في عدم جواز ذلك في سائر الحروف. وأما ما قاله الفخر من الامتناع (1) فهو باطل، وما قاله - أيضا - من: أن العلة الموجبة لجواز هذا الإدغام قرب المخرج، والموجبة للامتناع في هذا بعد المخرج، في غير محله، كما يظهر بالتأمل. بل العلة كيفية تقاطع المقفويين عند إخراج الهواء وإيجاد الكلمات، فإنه في بعض منها يستحسن الإدغام ويسهل دون بعض. ثم إن ممنوعية ذلك - أي الإظهار - غير مبرهنة، فليتدبر.

المسألة الثالثة: في إمالة لفظ " الرحمن " أجمعوا على أنه لا يمال لفظ " الرحمن "، وعن سيبويه جواز إمالته (2). وقيل: علة الجواز انكسار النون بعد الألف.

المسألة الرابعة: في اتصال البسملة بما بعدها قال في " الفتوحات ": إذا قرأت فاتحة الكتاب فصل بسملتها معها في نفس واحد من غير قطع. قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حالفا عن جبرائيل، حالفا عن ميكائيل، حالفا عن إسرافيل، قال الله تعالى: " يا إسرافيل بعزتي وجلالي وجودي وكرمي، من قرأ ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ متصلة بفاتحة الكتاب مرة واحدة، فاشهدوا علي أني قد غفرت له، وقبلت منه الحسنات، وتجاوزت له عن السيئات، ولا أحرق لسانه بالنار، وأجيره من عذاب القبر وعذاب النار وعذاب يوم القيامة والفزع الأكبر " (3).

وفي دلالته على ما تخيله إشكال، فإن من المحتمل قويا كون الرواية ناظرة إلى قراءة البسملة مع السورة، خلافا لما عن جماعة من العامة يتركونها، وقد سرقوا أعظم آية من الكتاب، كما مر تفصيله. وقوله: " مرة واحدة " ناظر إلى أن تكراره حسن، ولكن لا يترك بالمرة. وعلى تقدير دلالته عليه فالاتصال بالوجهين: أحدهما حذف همزة الحمد، وثانيهما إظهارها، بل لا يبعد جواز إظهارها مع إظهار إعراب الرحيم، لأن نوع ما قالوه في علم التجويد غير راجع إلى محصل، ولا يمكن الاستدلال عليه. وأما ما روي عن أم سلمة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " الرحيم الحمد يسكن الميم ويقف عليها، ويبتدأ بألف مقطوعة " (4)، فهو يؤيد ما أضمرناه، وبه قرأ قوم من الكوفيين. فما عن قراءة المشهور من حذف الألف وخفض الميم، غير واجب. ومن العجب ما حكي عن الكسائي عن بعض العرب: أنها تقرأ " الرحيم الحمد " بفتح الميم وصلة الألف، وكأنه سكنت الميم وقطعت الألف، ثم ألقيت حركتها على الميم وحذفت (5). وعن ابن عطية: ولم ترو هذه قراءة عن أحد فيما علمت. وهذا نظر يحيى بن زيد في قوله تعالى: ﴿ألم * الله﴾ (6) (7).

المسألة الخامسة: في إعراب " الرحمن " هل يجوز قراءة " الرحمن " بالرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف أو مفعولا لفعل محذوف أم لا؟فيه وجهان: من عدم الدليل على وجوب الاقتصار على ما يقرؤه الناس، ولصدق القراءة والقرآن عليه. ومن أن السيرة الالتزامية ناهضة على الاقتصار مع قيام الدليل الخاص على لزوم الاقتصار على قراءة الناس، فقد ورد: " إقرؤوا كما يقرأ الناس " (8). فمجرد إمكان تصحيح الجملة بالتقدير والحذف لا يكفي، بل لابد من كونها صحيحة حسب القواعد الأولية وإلا فقلما يتفق أن لا يتمكن نحوي من تصحيح كلام ملحون. فبالجملة: إذا كان الكلام خارجا عن حد المتعارف بحيث يعد ملحونا عند العامة، فالاجتزاء به مشكل جدا.


1- التفسير الكبير 1 : 105.

2- التفسير الكبير 1 : 105.

3- لم نقف على موضعه في الفتوحات بعجالة.

4- المستدرك ، الحاكم النيسابوري 2 : 231 - 232 / 5 و 6 ، الجامع لأحكام القرآن 1 : 107.

5- الجامع لأحكام القرآن 1 : 107 ، البحر المحيط 1 : 18.

6- آل عمران ( 3 ) : 1 و 2.

7- الجامع لأحكام القرآن 1 : 107.

8- الكافي 2 : 462 / 23 ، وسائل الشيعة 4 : 821 كتاب الصلاة ، أبواب القراءة في الصلاة ، الباب 74 ، الحديث 1.