النحو والإعراب

اتفقوا على أن " الرحمن " مكسور، وما وجدت خلافا في ذلك ولا احتمال الخلاف. وهكذا " الرحيم ". واختلفوا في وجه الإعراب بالكسرة: فالمشهور عنهم أنهما وصفان لله تعالى. ولازم ذلك الالتزام بحذف حرف العاطف، لأن قضية القواعد عطف الوصف الثاني بالواو، لأنه إذا لم يكن توكيدا ولا بدلا ولا نعتا للنعت الأول، فيكون نعتا للمنعوت، فيحتاج إلى العاطف: يتبع في الإعراب الأسماء الأول * نعت وتوكيد وعطف وبدل (1) وبالجملة: مع حذف حرف العطف، تكون الجملة ظاهرة في أن الثاني نعت النعت لا نعت المنعوت، وإذا كان المقصود الثاني فلابد من إتيانه بحرف العاطف، فتأمل.

ويتوجه عليهم ثانيا: لزوم تكرار التوصيف بهما، وهذا خارج عن حد الفصاحة، وليس هذا من قبيل التكرار في سورة الرحمن وأمثالهما.

وثالثا: أن أكثر موارد استعمالات " الرحمن " في الكتاب في العلمية، لا الوصفية. وذهب الأعلم وغيره إلى أنه بدل، لأنه علم وإن كان مشتقا، لأنه مثل " الدبران " المشتق من " دبر "، وقد صيغ للعلمية، وإذا ثبتت علميته امتنع كونه نعتا (2). ويتوجه عليه: أن للبدلية ميزانا، وهو هنا غير موجود، فإن بدل الكل عن الكل: إما في مورد يشبه عطف البيان، وهذا في " الله " غير صحيح، لأنه أعرف، أو في مورد يكون الإسناد إلى غير ما هو له، كقوله: " زيد أبوه قائم "، وهذا هنا أيضا غير جائز، بل ربما يشكل تصوير البدل عن الكل، لأنه هو في حكم عطف البيان. هذا هو المذهب الثاني في المسألة.

المسلك الثالث: ما عرفت منا سابقا، وهو أن " الرحمن " عطف البيان للاسم دون الله، والقارئ يقرأ: بسم الله الذي هو الرحمن الرحيم أبتدئ أو أقرأ أو أستعين أو أحمد أو اسمي أو غير ذلك. فما هو المتوجه إليه قلبا هو اسم الله بالحمل الشائع، وهو الرحمن لا الله، بل لما عرفت أن الإضافة تكون معنوية لا بيانية، وإلا فيلزم أن يكون المستعان به والمبتدأ به - مثلا - نفس الاسم بماله من المعنى، وهذا خلاف المرتكز، مع أنه كان يستلزم شبهة عقلية مضت، فما هو المستعان به بالحمل الشائع هو الرحمن الرحيم، اللذان هما من أمهات الأسماء الإلهية السبعة، واسم الله هو المستعان به بحسب اللفظ، لا الواقع. وربما يقال: جعلهما صفتين للاسم أولى من جعلهما صفتين لله، للزوم التأكيد على الثاني مع ما بعده، دون الأول، ولأن المنظور الاتسام باسم يكون به قوام الفعل المبتدأ به، وينتهي الفعل إليه، وهذا معنى كون الاسم متصفا بصفة الرحمانية والرحيمية (3).

وأنت خبير بما فيه، ضرورة أن الاسم المذكور في اللفظ، ليس من الأعيان الاسمية في الاعتبار وإن كان منها بحسب الواقع، فما هو المراد من الاسم ما هو معنى الاسم بالحمل الشائع، وهو الرحمن، فلا يكون وصفا له، بل هو من قبيل عطف البيان، فلا تخلط.

المسلك الرابع: أن المتبادر من " الرحمن " عند العرب: أنه اللفظ الموضوع للذات بما لها من إشراب معنى الرحمة فيه، كما قيل في الله، وقد مضى، وكانت تطلقه على مسيلمة الكذاب، فهو أقرب إلى كونه الاسم الثاني المسمى اصطلاحا باللقب، فيضاف إليه الاسم الأول لفظا. قال ابن مالك: وإن يكونا مفردين فأضف * حتما وإلا أتبع الذي ردف (4) والمراد هو كون الاسم واللقب مفردين، كقولهم: " سعيد كرز ". وهذا المسلك لا ينافي المسلك الثالث، فإنه بحسب اللفظ مكسور بالإضافة، وبحسب المعنى عطف بيان للاسم، ولا يعتبر في كونه عطف بيان أن يكون وصفا، وفيه معنى الوصفية قبال العلمية، وبذلك تنحل الشبهة، ويتعين ما اخترعناه في المسألة.

المسلك الخامس: هو أن يستند إعرابه إلى إضافة الاسم المضاف إلى الله إليه، فيكون الاسم مضافا مرتين أحدهما إضافته إلى الله، ثم بعد تلك الإضافة يضاف إلى الرحمن، وتكون الإضافة الأولى معنوية والثانية بيانية، وهذه أحد الاحتمالات المذكورة في الفقه في ذيل قول الصادق (عليه السلام) في صحيحة أبي ولاد - عند تضمين قيمة المغصوب -: " قيمة بغل يوم خالفته " (5) بإضافة القيمة أولا إلى بغل، وثانيا إلى يوم (6). وهذا الأمر يظهر من الأمثلة الفارسية، كقولنا: " غلام زيد عالم آمد " فإن الغلام أضيف إلى زيد، ثم إلى عالم، فيما أريد توصيف الغلام لا زيد، فلا تخلط. ثم إن الاحتمالات في إعراب " الرحيم " كثيرة، والظاهر منها أنه صفة " الرحمن "، وكونه صفة الاسم و " الله " يتم على بعض المسالك السابقة. ومن الممكن قطع " الرحمن الرحيم " من التوصيف، وإعرابه بالضم خبرا عن المبتدأ المحذوف. وهنا مسلك آخر واحتمال سادس في إعراب " الرحمن " وهو: أنه مجرور بالباء مع حذف الحرف العاطف، وهو من المتعارف نثرا وشعرا، فيكون هكذا: بسم الله وبالرحمن وبالرحيم، أو باسم الله وبالرحمن الرحيم، فيكون " الرحمن " مبنيا على العلمية، وحذف الجار فتوى أصحابنا. وهنا قول آخر وهو: أن معنى " الرحيم "، أي بالرحيم وصلتم إلى الله وإلى الرحمن، فالرحيم نعت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد نعته تعالى بذلك، فقال: ﴿رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾، فعليه يكون الرحيم مجرورا بالباء المحذوف (7). وفساد الاستدلال واضح، مع عدم مناسبة ذلك مع قراءته (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية في مقام الامتثال والتذلل.


1- الألفية ، ابن مالك : مبحث النعت ، البيت 1.

2- البحر المحيط 1 : 16.

3- تفسير بيان السعادة 1 : 28.

4- الألفية ، ابن مالك : مبحث علم ، البيت 4.

5- الكافي 5 : 291 / 6 ، تهذيب الأحكام 7 : 215 / 25 ، وسائل الشيعة 13 : 255 كتاب الإجارة ، الباب 17 ، الحديث 1.

6- المكاسب ، المحقق الأنصاري : 110 / السطر 14.

7- الجامع لأحكام القرآن 1 : 106.