الفقه

وهنا مسائل:

المسألة الأولى: حرمة مس الكلمة الشريفة " الله " يحرم مس الكلمة الشريفة " الله " على الجنب عند علمائنا وعليه الإجماع في " الغنية " (1) وهو المحكي عن ظاهر " المنتهى " (2)، ولم يذكره الصدوق في " الهداية "، ولا نقل عن غيره ممن تقدم على الشيخين، وقال في " مفتاح الكرامة ": لعلهم يحكمون بعدم المنع (3)، كما لعله يلوح من عبارة " المعتبر " (4)، لأنه بعد الحكم بالحرمة طعن في الرواية، وفي " المجمع " للأردبيلي (قدس سره): أن الحكم غير واضح الدليل (5)، وأفتى في " المستند " بالجواز، وقال: صرح به بعض الأجلة، واستظهر الحكم من الأردبيلي و " المدارك " (6) و " الكفاية " (7)، وربما يستظهر منه أنه أراد سائر الأسماء، لا الكلمة الشريفة، فراجع (8).

ولكن ظاهر " مفتاح الكرامة " أن هذه المسألة خلافية، وهو - أي الجواز - مذهب العامة ظاهرا، لعدم تعرضهم للمنع على ما تفحصت عنه، بل داود حكم بجواز مس الكتاب الشريف، خلافا لسائر المذاهب، ووفاقا لما نسب إلى الشيخ في بعض كتبه. ويدل عليه - مضافا إلى معروفية حكم المسألة في الأذهان في جميع الطبقات، وأنه يستلزم الهتك والوهن - معتبر عمار بن موسى الساباطي المذكور في " التهذيبين "، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: " لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله، ولا يستنجي وعليه خاتم فيه اسم الله، ولا يجامع وهو عليه، ولا يدخل المخرج وهو عليه " (9).

وظاهره النهي عن مس الجسم الذي فيه ذلك، فضلا عن مس نفس الخط والنقش، ولذلك ترى في المتون الفقهية - كالمبسوط (10) إلى القواعد (11) وغيرها - المنع عن مس ما عليه اسم الله تعالى، ولذلك يحمل الخبر - خصوصا مع رعاية ذيله - على الكراهة، وإن لم يثبت ذيله في جميع النسخ، ولكن يعلم من الرواية أن الحكم بالنسبة إلى مس الاسم، كان مفروغا عنه. والله العالم. وثبوت الحكم للمحدث بالأصغر محل إشكال، ولكنه - أيضا - لا يحتاج إلى الدليل، وإن لم يكن بذاك الوضوح.

وجواز المس للمتيمم - أيضا - محل الكلام، وإن لا يبعد على ما يقتضيه أدلة الترابية من ترتيب جميع الآثار، حتى قيل: إنها رافعة للحدث صغيرا أو كبيرا (12). ومما عرفت من الرواية، يظهر كراهة الاستنجاء باليد التي فيها الخاتم المنقوش باسم الله، ولذلك ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) الأمر بالتحويل (13). والمراد من اسم الله إن كان الإضافة بيانية، هي الكلمة الشريفة، وإن كانت معنوية هي سائر الأسماء، دون الكلمة الشريفة، فيكون الحكم ثابتا هنا بالأولوية. ويمكن دعوى كون الإضافة، معنوية وبيانية، باستعمال الإضافة في المعنيين، بناء على جواز ذلك عقلا، ولكنه - لو صح حتى في مثلها - غير مأنوس في هذه المواقف. ثم إن في المسألة بعض روايات توهم دلالتها على جواز مس الكلمة الشريفة.

ومنها: ما أخرجه " التهذيبان " بسند معتبر عن إسحاق بن عمار، عن أبي إبراهيم (عليه السلام)، قال: سألته عن الجنب والطامث يمسان بأيديهما الدراهم البيض؟قال: " لا بأس به " (14)، ومثله غيره. والعجب أن الرواية - مع كونها ناظرة إلى مس الجسم الذي فيه النقش لا نفسه - قيل بدلالتها على جواز المس (15)، وهل يمكن لك تصديق ذلك؟وفي بعضها المروي في " المعتبر " عن " جامع " البزنطي، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته، هل يمس الرجل الدرهم الأبيض وهو جنب؟فقال: " والله لأوتي بالدرهم، فاخذه وإني لجنب " (16) بناء على كون نقش الدراهم البيض اسم الله، كما هو صريح ما أخرجه " المعتبر " عن كتاب الحسن بن محبوب، عن خالد، عن أبي الربيع، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الجنب يمس الدراهم وفيها اسم الله واسم رسوله؟فقال: " لا بأس به ربما فعلت ذلك " (17).

فعلى هذا لا وجه لتوهم: دلالة هذه الطائفة على خلاف ما هو المفروض المسلم، حتى يستند الإشكال إليها. نعم يمكن الشبهة في المسألة: بأن ظاهر المجمعين استنادهم إلى أمثال هذه الروايات، وهي غير نقية، فلا يثبت الحكم في أصل المسألة. والأظهر: أن مستند هذه الشائعات ليس فتاوى فقهائنا الأسلاف، فليتدبر.

المسألة الثانية: فروع حول مس الكلمة الشريفة هل يختص حرمة المس بها عندما يطلق عليه تعالى، أم لو أريد منه المعنى الآخر يحرم - أيضا - كما في تسمية زيد بعبد الله، فإنه يجرد عن معناها الإضافي، ويكون كالدال من زيد، ويصير من أجزاء الكلمة الواحدة، أو هل يختص الحكم بالصورة الأولى والثانية، ويجوز المس إذا أريد منها شخص اللفظة عند الإطلاق، كما في قولنا: " الله لفظ موضوع مفرد " أو يختص الحكم بالصور الثلاثة، ويجوز مس الكلمة إذا كانت موضوعة لغيره تعالى، بناء على جوازها، أو ولو قلنا بعدم الجواز، ولكن صنع ذلك أحد، عصيانا وطغيانا، كما في كلمة " الرحمن " الموضوعة كرحمان اليمامة الآتي بحثه.

ثم إنه هل يجوز مس الألواح المطبوعة عليها الكلمة الشريفة بشكل أجوف؟فهل يختص الحكم بوجودها الكتبي، أم لا يجوز مس ما في جوف اللوحة من الوجود التوهمي؟والمرسوم بترسيم الخطوط في الأطراف، أو - مثلا - إذا كتب الكلمة الشريفة هكذا: " الله "، فهل يجوز مس الجوف، بتوهم أنه ليس منها، أو لا يجوز، لأنه من تبعات تلك اللفظة، أو لا يجوز، لما أن ما في الجوف كتابة توهمية، فإن هذا الشكل مشتمل على الكلمة الشريفة مرتين: أحدهما بالأسود، والآخر بالأبيض، كما لا يخفى؟وغير خفي: أن المسألة مورد الابتلاء في أيامنا لتعارف صنعة الكهربائيين ذلك. ثم إنه هل يجوز للمحدث أن يكتب الكلمة الشريفة بإصبعه لأنه ليس مسا، أو لا يجوز، لأنه ما دام لم يحصل المس لا يحصل الامتداد الخطي؟وهكذا، فإن المسائل كثيرة، فإن كان المستند حرمة الهتك والتوهين، فلا يفرق في الصور الكثيرة، وإن كان عنوان المس والدليل اللبي أو اللفظي متكفل بتحريمه، فيشكل في كثير منها. وربما يتخيل: أن جواز مس الكلمة الشريفة وعدمه، مبني على أنها اسم خاص للذات الأحدية، أو اسم للكلي الذي لا ينطبق إلا عليه، فيكون هذا البحث من ثمرات تلك المسألة. وأنت خبير: بأن الدليل اللبي واللفظي، قائم وناهض على المنع عن مس ما فيه هذه اللفظة الشريفة، سواء كانت موضوعة بالوضع الخاص أو الكلي، حسب ما اصطلحنا عليه في الأصول، وذكرنا هناك: أن أقسام الوضع تبلغ عشرين أو أكثر، فراجع هناك (18).

وغير خفي: أن مس هذه الكلمة الشريفة لغير أهله في البسملة، يستتبع العقابين، لأنه مصداق العنوانين: أحدهما مس الاسم الشريف، والثاني مس القرآن المنيف، وبين العنوانين عموم من وجه، لا بأس بالالتزام بالتكليفين النفسيين، حسب ما تحرر منا في الأصول (19)، فليتدبر جيدا.

المسألة الثالثة: عن جواز تسمية غيره تعالى به وقد يستشعر المنع من قوله تعالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ (20)، لظهوره في عدم شركة أحد معه في ذلك. ويؤيد هذا: ما ورد عن طريقنا من أنه لا يوجد رجل يسمى بها، ويشترك معه في الاسم، هكذا في " الصافي " (21). وهذا هو المفروغ عنه عند الأصحاب رحمهم الله، ولذلك لا يوجد مماثل له في ذلك حسب التاريخ. ويمكن استشعار المنع من الأدلة الظاهرة في أن كلمة " الرحمن " لفظ خاص لمعنى عام، كما يأتي تفصيله، فإن معنى تلك الروايات اختصاصه تعالى به تسمية، فاختصاص هذه الكلمة الشريفة به أولى بذلك.

وفي رواية مفصلة أخرجها ابن بابويه، بإسناده عن الحسن بن علي بن محمد (عليهم السلام)، وفيها قال (عليه السلام): " إن قولك: الله، أعظم اسم من أسماء الله عز وجل، وهو الاسم الذي لا ينبغي أن يسمى به غير الله، ولم يتسم به مخلوق " (22). وربما يتوهم: أن الشركة في الاسم نوع هتك وتجاوز، فلا تجوز. ولك دعوى: دلالة بعض الأحاديث الشريفة الاخر، المتكفلة بتفسير كلمة " الله " الشريفة بما لا يناسب المخلوق (23)، فكأن من يوضع له هذه الكلمة، لابد من أن يصلح له ما يختص به. والله العالم بحقائق الأمور. ومن العجب عدم ورود النهي الصريح في ذلك، ولعله لعدم ابتلاء أحد بمثله، لمفروغية المسألة حكما، ولوضوحها منعا، ويمكن الشبهة في جميع ما أشير إليه من الأدلة والاستحسانات، كما لا يخفى.

ثم إنها تقع جزء الكلمة في التسمية، كيد الله، فإنها تسقط إضافتها عن معناها الإضافي، فيصير اللفظة موضوعة لزيد مثلا، وهذا غير ممنوع قطعا، بل هو المأمور به في الجملة.


1- الغنية ، ضمن الجوامع الفقهية : 488.

2- منتهى المطلب 1 : 87.

3- مفتاح الكرامة 1 : 325.

4- المعتبر : 50 / السطر 2.

5- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 134.

6- مدارك الأحكام 1 : 279 - 280.

7- كفاية الأحكام ، السبزواري : 3 سطر 15.

8- مستند الشيعة 1 : 119.

9- تهذيب الأحكام 1 : 31 / 21 ، الاستبصار 1 : 48 / 1.

10- المبسوط 1 : 29.

11- قواعد الأحكام : 13.

12- تذكرة الفقهاء 1 : 66 ، ومختلف الشيعة 1 : 55 ، وجامع المقاصد 1 : 514 ، ومفاتيح الشرائع 1 : 65 ، والحدائق الناظرة 4 : 416 ، وجواهر الكلام 5 : 260 - 261.

13- الكافي 6 : 474 / 9 ، الخصال 2 : 742 حديث أربعمائة ، وسائل الشيعة 1 : 233 كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 17 ، الحديث 4.

14- تهذيب الأحكام 1 : 126 / 31 ، الاستبصار 1 : 113 / 2.

15- تعليقة لآقا جمال الخوانساري على شرح اللمعة : 46.

16- المعتبر 1 : 188.

17- نفس المصدر.

18- انظر تحريرات في الأصول 1 : 73 ، ولم يزد على ستة عشر قسما.

19- تحريرات في الأصول 4 : 201.

20- مريم ( 19 ) : 65.

21- تفسير الصافي 1 : 68.

22- التوحيد : 231 / 5.

23- انظر معاني الأخبار : 4 / 1 و 2 ، التوحيد : 89 / 2.