علم الأسماء والعرفان

وهنا مسألتان:

المسألة الأولى: اعتبارات حقيقة الوجود قد تقرر في علم الأسماء وبلغ نصاب التحقيق وميقات البرهان والتدقيق (1): أن لحقيقة الوجود اعتبارات من اللابشرط، والبشرط لا، والبشرط شئ، كما هي ثابتة في الماهيات، ولكن الاختلاف في أنحاء الموضوعات، فإذا أطلقت حقيقة الوجود واخذت بشرط أن لا يكون معها شئ، فهي المسماة عندنا بالمرتبة الأحدية الذاتية المستهلكة فيها جميع الأسماء والصفات، وتسمى مقام جمع الجمع وحقيقة الحقائق والعماء المطلق. وإذا اخذت بشرط شئ، فإما أن تؤخذ بلحاظ جميع الأعيان اللازمة لها، من الكلية والجزئية وبلحاظ جميع الصفات والأسماء الملزومات لتلك الحقيقة، فهي المسماة بمقام الواحدية ومقام الجمع، وبلحاظ ظهور الأعيان في المرتبة العلمية تبعا لظهور الصفات، تسمى هذه المرتبة مقام الربوبية الجمعية.

وإذا أطلقت واخذت لا بشرط شئ آخر ولا بشرط لا شئ، فهي عندنا هي الهوية السارية والجارية في جميع الأعيان الثابتة والماهيات الإمكانية. وإذا أطلقت واخذت بلحاظ كليات الأشياء فقط، فهي الاسم الرحمن، وهو رب العقل الأول، وهو أم الكتاب والقلم الأعلى ولوح القضاء عند أرباب العرفان. وإذا اخذت بلحاظ الكليات المفصلة، الصائرة جزئيات في العلم، الثابتة في الحضرة الربوبية من غير احتجابها عن كلياتها، فهي مرتبة الاسم الرحيم، وهو رب النفس الكلية المسماة بلوح القدر، وهو اللوح المحفوظ والكتاب المبين.

وهنا اعتبارات اخر حسب مراتب الأعيان العلمية في المظاهر العينية، ومراتب التكوين إلى منتهى إليه قوس النزول، ثم يرجع إلى منتهى إليه قوس الصعود، ولكل واحد من الأسماء الإلهية اعتبار خاص به، ينمو مسماه في النشآت الغيبية والشهادية على ما يتخيله النفوس القدسية. وتفصيل ذلك في الكتب الاخر المعدة لذلك. وما هو الاسم الجامع هو الرحمن، والأجمع منه الكلمة الشريفة " الله "، فإن مواليد الأسماء والمسميات ترجع إلى هذه الام الأولى، وتحت سيطرة هذا الاسم " الله " يكون مقتضيات جميع الأسماء على حد سواء، بخلاف مظاهر سائر الأسماء، وما هو المظهر له حضرة الكون الجامع والإنسان الأول الكلي، المسمى بذي المقام الرفيع متخذا ذلك عن رفيع الدرجات. وسيظهر وجه اتباع " الرحمن " عن " الله " في البسملة من هذه الطريقة الغراء والمسلك الشريف الأحلى. وهذا هو الاسم الأعظم الإجمالي.

المسألة الثانية: حول بعض الأحاديث قد أخرج الصدوق بسنده عن الحسن بن علي بن محمد (عليهم السلام) - في حديث طويل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) -: قال له رجل: فما تفسير قوله: " الله "؟قال: " هو الذي يتأله إليه - عند الحوائج والشدائد - كل مخلوق عند انقطاع الرجاء من جميع من هو دونه، وتقطع الأسباب من كل من سواه، وذلك كل مترئس في هذه الدنيا ومتعظم فيها وإن عظم غناؤه وطغيانه، وكثرت حوائج من دونه إليه، فإنهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها... فينقطع إلى الله عند ضرورته وفاقته " (2) الحديث. ويشبه ذلك ما ورد في معناه: " الله المعبود الذي يأله إليه الخلق ويؤله إليه " (3). وعن الباقر (عليه السلام): " الله معناه المعبود الذي أله الخلق عن درك ماهيته والإحاطة بكيفيته " (4). وفي جملة ما رواه في التوحيد عنه (عليه السلام) لتفسير الإله: " هو الذي أله الخلق عن إدراك ماهيته وكيفيته بحس أو بوهم، لا بل هو مبدع الأوهام وخالق الحواس " (5). وقد مر في معتبر هشام: " الله مشتق من أله، وإله يقتضي مألوها " (6). وفي حديث آخر في تفسيره: " إن له معنى الربوبية، إذا لا مربوب، وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه " (7). يتوجه الإنسان البصير من هذه الجمل إلى معان:

1 - أن اللفظة مشتقة من أله، فيسقط سائر الاحتمالات.

2 - وأن الموضوع له كلي لا ينطبق إلا على واحد، وهو خالق السماوات والأرض.

3 - وأن معنى الألوهية من الصفات الذاتية، إذ هو الإله قبل خلق المألوه.

4 - وأن المشتق منه هو الإله بمعنى التحير حتى يناسب كونه ذاتا تحير فيها العقول، فهي متحيرة. وإليه يشير ما في الدعاء عن علي بن الحسين (عليه السلام): " رب زدني فيك تحيرا " (8)، ويناسب كون مقابله المألوه، وهو المتحير بالكسر. وأنت بعد ما سمعت منا تجد طريقا تجمع به بين هذه المداليل، وبين ما مضى من أن كلمة الله، تعريب " لاها "، وأن الاشتقاق المراد في الرواية هو الاشتقاق الكبير، وإلا يلزم كون الهيئة ذات وضع على حدة، والمادة كذلك، مع أن هيئة " الله " ليست ذات وضع نوعي، بل الكلمة ذات وضع شخصي بالضرورة. ومن أن الموضوع له جزئي خارجي، هي الذات الملحوظ معها بعض الاعتبارات، وإلا فالذات المطلقة بالإطلاق على الإطلاق المقسمي، لا اسم له ولا رسم، ولا عين رأت، ولا اذن سمعت، ولا خطر بقلب أحد، لا كلي. وأن الرواية في مقام إفادة خاصية المسمى، لا الاسم والتسمية.

وأما أن الألوهية من الأوصاف الذاتية، فهو لا ينافي اقتضاء الإله مألوها، فإن الألوهية من الاعتبارات الزائدة على الذات الأحدية الغيبية الذاتية، وعلى ما لا رسم له ولا اسم عليه، ولكنها عين الذات المستجمعة فيها الصفات المسماة بالمرتبة الواحدية، كما عرفت، وعند ذلك تكون تلك الصفة ذات الملازمات، من الأعيان الثابتة، وهي مألوهها في النشأة العلمية ولا مألوه، وهو الإله بلحاظ النشأة الغيبية وظهورها في الأعيان الخارجية، كما لا يخفى على اولي البصائر والدرجات.


1- انظر شرح فصوص الحكم ، القيصري : 11.

2- التوحيد : 231 / 5.

3- التوحيد : 89 / 2.

4- نفس المصدر.

5- التوحيد : 92 / 6.

6- الكافي 1 : 89 / 2.

7- التوحيد : 38 / 2.

8- راجع التجليات الإلهية : 91 ، وشرح منازل السائرين : 31.