مسألتان

الأولى: في وجه التسمية بالفاتحة لا وجه لتسميتها بالفاتحة إلا باعتبار افتتاح الكتاب التدويني بها، وهذا هو الحادث المتأخر عن عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وما قيل: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر عثمان أن يضعها أول المصحف الشريف، غير ثابت عن الكتب المعتبرة. والذي هو الأنسب كونها افتتاح التنزيل، وهو خلاف ما تقرر. وقد اشتهر في المآثير توصيفها بالفاتحة، وإليها تنصرف هذه اللفظة عند الإطلاق حتى في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما ترى فيما يتعلق بأحكامها.

وقيل: لأنها مفتاح الكتاب التكويني الذي هو جملة ما سوى الله بحقيقتها التي هي كلام الله تعالى الحقيقي، وهو مقام التسمية، وأصل جملة ما عداه تعالى. ولعلها سميت بها لافتتاح الصلاة بها، وكانت الصلاة مفروضة من ابتداء البعثة، فاشتهرت بها (1). وهذا هو الأقرب ولا مبعد له.

الثانية: في وجه التسمية بالسبع المثاني أما كلمة المثاني، فهو جمع مثنى، وهو المعدول عن اثنين اثنين. هذا حسب اللغة. ويؤيده ما في العياشي عن يونس بن عبد الرحمن، عمن رفعه، قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾؟قال: هي سورة الحمد، وهي سبع آيات، منها ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، وإنما سميت المثاني، لأنها تثنى في الركعتين " (2).

وقيل: هو من الثناء، لأن السورة ثناؤه تعالى (3).

والظاهر: أن المثاني اسم جمع لا مفرد له، وهي المعاطف من كل شئ، كما في اللغة، ولأجل أنها مشتملة على أسباب عطف الناس إلى نفسها وأصل الكتاب وأساس الديانة، يناسب تسميتها بالمثاني.

وقيل: سميت بذلك لأنها استثنيت لهذه الأمة، فلم تنزل على أحد قبلها ذخرا لها (4). وقال السيوطي في " الإتقان ": وقد وقفت للفاتحة على نيف وعشرين اسما، وذلك يدل على شرفها (5).

فكما أن من شرفه تعالى الأسماء الكثيرة، كذلك من شرافتها كثرتها.

المسألة السادسة: عن عدد آيها وكلماتها وحروفها أما الأول:

فهي بإجماع أهل الفن سبعة (6)، إجماعا مركبا، لاختلافهم في البسملة، أنها من السورة، أم هي من القرآن وليست منها. ومن أخرجها منها اعتبر الآية الأخيرة آيتين، ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾ آية، ﴿غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ آية أخرى هي سابعة. فما عن الحسين بن الجعفي: أنها ست، وعن عمرو بن عبيد: أنها ثمان، مخالف للإجماع وللأخبار من الطريقين. لولا النصوص المستفيضة الصريحة كان لإبداع الشبهة وجه:

فيقال: إن البسملة من القرآن وليست من السورة، وإن السور كلها مصدرة بها تيمنا وتبركا، ولو كانت منها كان ينبغي أن تكون سورة العلق هكذا: " إقرأ بسم الله الرحمن الرحيم "، كما لا يخفى. والاستدلالات الكثيرة على أنها من الحمد، تفيد كونها من الكتاب، وهذا ما هو أكثر دورا في كتبهم: أنه مكتوب في المصاحف بالخط الذي كتب به المصحف، مع تجنبهم إثبات الأعشار والأخماس كذلك. وعن ابن عباس: " من تركها فقد ترك مائة وأربعة عشر آية من كتاب الله " (7). فتأمل.

ويؤيد ذلك: أن مالكا وغيره من علماء المدينة، والأوزاعي وجماعة من علماء الشام، وأبا عمرو ويعقوب من قراء البصرة، وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة، يرون أنها آية من القرآن، أنزلت لبيان رؤوس السور والفصل بينها. وعن عبد الله بن مسعود: أنها ليست من القرآن أصلا (8)، وهو رأي بعض الحنفية، مستدلين بحديث أنس، قال: " صليت خلف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلفائه الثلاثة وقد تركوها في قراءتهم " (9). ولا يخفى ما في الاستدلال، لأن عدم وجوبها في الصلاة لا يدل على عدم كونها من الفاتحة، فضلا عن عدم كونها من الكتاب، وما دل على أن الصلاة مشروطة بالفاتحة قابل للتخصيص.

وغير خفي: أن عمرو بن عبيد، جعل ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ آية، وإذن يمكن جعلها تسع آيات، بناء على تقسيط الآية الأخيرة. وسيأتي زيادة توضيح ينفعك في البحث عن جزئية البسملة إن شاء الله تعالى.

المسألة السابعة: الأخبار في الحث على قراءتها وفضيلتها:

1 - " ثواب الأعمال " بإسناده عن الصادق (عليه السلام): " اسم الله الأعظم مقطع في أم الكتاب " (10).

2 - " الخصال " عنه (عليه السلام): " رن إبليس أربع رنات: أولهن يوم لعن، وحين اهبط إلى الأرض، وحين بعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على حين فترة من الرسل، وحين أنزلت أم الكتاب " (11).

3 - وعن جابر، عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث عنه تعالى: " وأعطيت أمتك كنزا من كنوز عرشي، فاتحة الكتاب " (12).

4 - وعن الحسن بن علي (عليهما السلام)، عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) - بعد قصة - قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " من قرأ سورة فاتحة الكتاب، أعطاه الله تعالى بعدد كل آية نزلت من السماء، ثواب تلاوتها " (13). وقد وردت في خواصها آثار وحكايات عديدة، فمن الآثار: ما عن الكافي، مسندا عن عبد الله الفضل النوفلي رفعه، قال: " ما قرئت الحمد على وجع سبعين مرة إلا سكن " (14). وفيه مسندا عن سلمة بن محرز، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: " من لم يبرئه الحمد، لم يبرئه شئ " (15). وعنه في الصحيح، عن معاوية بن عمار، عن الصادق (عليه السلام)، قال: " لو قرئت الحمد على ميت سبعين مرة، ثم ردت فيه الروح، ما كان ذلك عجبا " (16).

ولو قيل: الوجدان يقضي بخلافه، فكيف يجمع بينه وبين ما وصل إلينا من الآثار والأخبار ما لا يحصى.

قلنا: هذه القضايا المستعملة في هذه المواقف كلها - في الاصطلاح - طبيعية مهملة، لا حقيقية عامة.

فإذا قيل: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ (17)، ليس معناه أن كل صلاة تكون كذلك، ضرورة أن آيات الكتاب العزيز ليست نازلة لإخلال النظام البشري، وإيجاد الهرج والمرج، وإبراز المعجزات وخارق العادات على الدوام، بل لها شروط خاصة، كما هو المحرر عند أهله.

المسألة الثامنة: في أحكامها قال الإمامية:

الفاتحة واجبة في الصلاة وشرط فيها، وتتعين في كل صلاة ثنائية وفي الأوليين في غيرها (18)، ويجوز قراءتها في الأخيرتين، وهي من السنة، كما في أخبارنا (19)، فلا تبطل الصلاة بتركها السهوي، بل والجهلي. واختلفت آراؤهم في جواز القراءة وعدمه للمأموم، اختلافا شديدا (20)، فعن الدروس: ليست في الفقه مسألة مثلها في الخلاف (21). ويجهر بها في المغرب والعشاء والصبح ويوم الجمعة ندبا، إلا في صلاة الجمعة.

وقال الحنفية: " أي شئ قرأ أجزأه، لأن الفاتحة كسائر السور في جميع الأحكام، فكذا الصلاة ".

وقال الشافعي في " الام ": " فواجب على من صلى منفردا أو إماما أن يقرأ بأم القرآن في كل ركعة، لا يجزيه غيرها ". وبذلك قال الحنبلي والمالكي.

وقالوا: فلو تركها سهوا فعليه أن يأتي بالركعة التي تركها فيها (22). وهذا هو المعروف عن الآخرين. ويدل عليه - مضافا إلى الاتفاق - الأخبار والأحاديث من طرق الخاصة والعامة، البالغة حد الاستفاضة قطعا، بل هي متواترة، لبلوغها في كتب العامة إلى قريب من ثلاثين رواية.

ومن أحكامها: أن من تركها بزعم الجماعة تبطل صلاته، لحكومة قوله: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " على قاعدة " لا تعاد ". وقال في " التذكرة ": " وعند بعض علمائنا أنها ركن، لو أخل بها سهوا بطلت صلاته، وهو قول الشافعي في الجديد " (23).

والمشهور بين الأصحاب عدم البطلان، إما لأجل قصور دلالته على دخالتها في الاسم حتى ادعاء، أو لأن الأدلة الخاصة الناظرة إلى أن بطلانها منحصرة بما إذا تركها عمدا.

ومنها: استحباب التحميد بقوله: " الحمد لله رب العالمين " بعد الفراغ منها في الصلاة، منفردا كان أو جماعة، إماما كان أو مأموما، للنصوص الخاصة (24). وأما أصحاب السنة فأجمعوا على استحباب التأمين لقارئ القرآن وفي الصلاة (25)، واختلفوا في استحباب الجهر والإخفات، وفي استحبابه للمأمومين، أو لهم وللإمام.

وقد استندوا إلى روايات رواها أبو هريرة وأبو موسى الأشعري ووائل بن حجر، أخرج الأول الأمهات (26)، والثاني أخرجه مسلم (27)، والثالث أخرجه أبو داود (28) والدارقطني (29). ويشهد لذلك، السيرة الإسلامية. فما في " التذكرة " من انفراد أبي هريرة بنقله (30)، غير صواب.

فلولا النصوص الخاصة التي نهت عنه وأبطلت الصلاة معه، كان لتجويزه وجه قوي، لاشتهاره بين المسلمين بجميع طوائفهم، فيكون هذه السيرة متصلة إلى عصره (صلى الله عليه وآله وسلم). هذا. وربما يظهر أن ما هو المنهي عنه في أخبارنا هي كلمة " الآمين " المشددة، كقوله تعالى: ﴿وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ﴾ (31)، لقوله (عليه السلام) - على ما فيها -: " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الآدميين والتأمين من كلامهم " (32)، وذلك لأن " آمين " على وزن فاعيل، ليس بعربي، كما صرح به الزوزني في شرح القصيدة، وما هو العربي هو الفعيل، لا فاعيل، كهابيل وقابيل.

وأما ما في القرطبي من أنه كياسين (33)، فمن عجيب التوزين، لأن ياسين مركبة، فلا تخلط. فالأصل هو الفعيل، وهو بمعنى الدعاء، كما عن أكثر أهل العلم، ومعناه: " اللهم استجب لنا "، وقيل: " فليكن كذلك " - قاله الجوهري (34) -، وبالأول قال جمع من اللغويين أيضا. وفي المروي عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: " سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما معنى آمين؟قال: رب افعل ". وقال الترمذي: معناه: " لا تخيب رجاءنا " (35)، فعلى هذا يجوز ذلك، لأنه دعاء، وليس من كلام الآدميين.

ومما يشهد لذلك: أن قول التشديد، نسب إلى الصادق (عليه السلام) في المحكي عن أبي نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم القشيري وأبي الحسن والحسين بن الفضل، وهو - بناء على التشديد - من أم إذا قصد، أي نحن قاصدون نحوك، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ (36).

فيكون على هذا " آمين " جمع الآم، أي القاصد، وكأنهم كانوا يريدون به ما يرجع إلى استلزامه كونه من كلام الآدميين، كما سيظهر وجهه.

وقيل: قال قوم: هو اسم من أسماء الله تعالى، روي عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) ومجاهد وهلال بن يساف، وهو في المروي عن عباس، عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، على ما هو المحكي عن ابن العربي (37).

وقيل: هو معرب " همين " الفارسية. وقيل: هو معرب كلمة فرنجية تقرب منه معنى.

ويظهر من اللغة: أن " أمين " - كفعيل - هو الأصل، و " آمين " إشباع " أمين "، والإشباع جائز، وهذا هو الأقوى حسب الجمع بين الأدلة. ولك أن تقول: تحت النهي عنه والمنع منه وبطلان الصلاة معه سر وهو: أن الواجب في الصلاة هي القراءة، والقراءة متقومة بقصد الحكاية، فلا دعاء حين قراءة الفاتحة حتى يلحقه الدعاء بالاستجابة، فهي كلمة لغو في الصلاة تورث بطلانها، وتصبح من كلام الآدمي. اللهم إلا أن يقال بجواز الجمع بين قصد الحكاية والقراءة وقصد الإنشاء وإن كانا متنافيين. أو يقال بعدم الحاجة إلى قصد الحكاية والقراءة، بل الواجب هو الإتيان بفاتحة الكتاب في الصلاة، كما هو المستفاد من جمع من أخبارها (38).

وربما يقال (39): إن طلب الهداية عند قراءة قوله - عز من قائل -: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ ونحوه في غيره، يستلزم المحذور العقلي، وهو تعدد المحكي مع وحدة الحاكي، لأن القراءة هي الحكاية عن اللفظ باللفظ المماثل، والإنشاء قصد ثبوت المعنى باللفظ، ولا يمكن استعمال اللفظ في اللفظ وفي المعنى.

وتوهم: أن المعنى يقصد من اللفظ الذي هو المعنى، كما في أسماء الأفعال عند جمع، فلا يلزم استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى واحد، بل اللفظ الصادر من القارئ يستعمل أولا في اللفظ، والمعنى - وهو اللفظ الثاني - يراد منه المعنى الإنشائي. غير صحيح. بل أوضح استحالة من الأول، ضرورة أن الاستعمال إما بمعنى الإعلام والتفهيم، أو بمعنى إيجاد المعنى باللفظ وإخطاره، أو بمعنى إفناء اللفظ في المعنى، والكل هنا غير متصور، لأن تلك الألفاظ الفانية قبل هذا الاستعمال لا تليق بذلك.

اللهم إلا أن يقال: إن الاستعمال هو الاستثمار والانتفاع من علق اللفظ والعلاقات الاعتبارية الثابتة بين الألفاظ والمعاني، فلا مانع من استفادة المتكلم من الألفاظ السابقة التي وجدت في كلام الغير أو في كلام نفسه. وهذا هو أحد الوجوه في معنى الاستخدام، فإن اللفظ الذي له معنيان، قد اطلق أولا وأريد منه معنى، ثم بعد إرجاع الضمير يراد من ذلك اللفظ - وهو المرجع - المعنى الثاني.

والذي هو الحق في المسألة: أن ما هو الواجب تارة يكون عنوان الفاتحة، وأخرى عنوان قراءة الفاتحة. فإن قلنا بالأول، فلا نزاع في أنها لا تتقوم بقصد الحكاية، فيجوز الاقتباس بها للمعاني المقصودة، وتصح الصلاة. وإن كان العنوان الثاني - كما هو قضية الجمع بين الأدلة، من قولهم: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " ومن قولهم: " فاقرؤوا ما تيسر من القرآن " بناء على انطباقه عليها، أو الأدلة السمعية والأحاديث الآمرة بالقراءة في الصلاة - ففيه الخلاف بين الأعلام، فالمشهور عنهم عدم جواز الإنشاء لعدم إمكان الجمع بين اللحاظين، فلابد من قصد الحكاية حتى يحصل عنوان القراءة. والذي يظهر لنا هو الثاني، لأن الجمع المذكور - كما تحرر في الأصول - ممكن، مع عدم تقوم صدق القراءة بالحكاية، لأن معنى القراءة أعم مما توهم، وذلك لقوله تعالى: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم * إقرأ باسم ربك﴾ (40).

وإذا كانت الفاتحة محتاجة في كونها من القرآن إلى قصد القرآنية، كان للتوهم المذكور ولما اشتهر وجه، ولكن القرآن يوجد وإن قصد غيره، لأنه موضوع لهذه التراكيب المخصوصة، والمؤلف من النسب والإضافات على هيئات خاصة. ولو كان ما يترنم به العبد غير قرآن عند عدم قصد القرآنية، يلزم كونه مماثلا للكتاب، مع أن العبد عاجز عن إيجاد مماثله ومعجز بقوله تعالى ﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ﴾ (41). ولذلك صار الاقتباس من اللطائف الكلامية، وهو تضمين الكلام بالقرآن أو حديث سيد الأنام (صلى الله عليه وآله وسلم). ولو كان قصد شعر الشاعر، دخيلا في كونه شعره، يلزم أن يكون جميع أفراد الإنسان شعراء، مع أن الضرورة قاضية بأن من أظهر مرامه بشعر المتنبي وامرئ القيس، لا يكون شاعرا، وما ترنم به هو شعرهما لا شعر الآخرين.

بل لو فرضنا نسيانه الفاتحة، ولكنه أتى بها من تلقاء نفسه، كفى وإن كان من مصاديق توارد الخاطر، حسب ما اصطلح عليه في علم البديع.

المسألة التاسعة: في كونها من القرآن أجمعت الأمة على أنها من القرآن، وربما يشكل لعدم إثباتها في مصحف ابن مسعود، فلما لم تثبت دل على أنها ليست منه، كالمعوذتين عنده.

وأجيب عنه: بأنه بعد ما سئل عن ذلك وعن علة خلو مصحفه عنها؟قال: لو كتبتها لكتبتها مع كل سورة، واختصرت بإسقاطها، ووثقت بحفظ المسلمين لها (42).

. وكأنه أراد من ذلك أن كل ركعة سبيلها أن تفتتح بأم القرآن قبل السورة التالية بعدها، وربما يشعر بهذه المقالة قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ (43) لظهور العطف في المغايرة. فعلى ما تحرر وتقرر يصعب الأمر جدا، لأنا إن قلنا: إن النقل المتواتر كان حاصلا في عصر الصحابة بكون سورة الفاتحة من القرآن، فحينئذ كان ابن مسعود عالما بذلك، فإنكاره يوجب الكفر أو نقصان العقل.

وإن قلنا: إن النقل المتواتر في هذا المعنى ما كان حاصلا في ذلك الزمان، فهذا يقتضي أن يقال: إن نقل القرآن ليس بمتواتر في الأصل، وذلك يخرج القرآن عن كونه حجة يقينية، ولذلك يتقوى أن النسبة كاذبة جدا. ولك دعوى أن عدم حجية سورة من الكتاب قطعية، لا تستلزم عدم حجية سائر السور.

أو يقال: لا حاجة إلى كونها حجة قطعية، بل يكفي كونها حجة عقلائية، لما تقرر عندنا أن احتمال التحريف المضر غير قابل لدفعه ثبوتا، ولكنه ساقط إثباتا ومتروك شرعا، فالكتاب حجة عقلائية قوية قريبة من القطعية. فما توهمه الفخر في المقام غير تام (44).

المسألة العاشرة: نزولها جمعا ومفرقا السور مختلفة في النزول مفرقا وجمعا. أما السور المنزلة مفرقة فهي كثيرة، وأما التي نزلت جمعا فهي سورة الفاتحة والإخلاص والكوثر وغيرها (45)، وقد عرفت من السمرقندي دعوى نزولها مفرقا، جمعا بين كونها مدنية ومكية.


1- تفسير بيان السعادة 1 : 23.

2- تفسير العياشي 1 : 19.

3- انظر الإتقان في علوم القرآن 1 : 190 ، وتفسير بيان السعادة 1 : 23 ، وروح المعاني 1 : 36.

4- انظر الجامع لأحكام القرآن 1 : 112.

5- الإتقان في علوم القرآن 1 : 187.

6- انظر المصدر السابق 1 : 234.

7- الكشاف 1 : 1.

8- انظر التفسير الكبير 1 : 218 ، والإتقان في علوم القرآن 1 : 270.

9- صحيح البخاري 1 : 187 كتاب الصلاة ، الباب 13 ، الحديث 52.

10- ثواب الأعمال : 233.

11- الخصال 1 : 291 / 141.

12- الخصال 2 : 495 / 1.

13- الخصال 2 : 398 / 36.

14- الكافي 2 : 456 / 15.

15- الكافي 2 : 458 / 22.

16- الكافي 2 : 456 / 16.

17- العنكبوت ( 29 ) : 45.

18- الانتصار ، السيد المرتضى : 41 ، المسألة 10 . الخلاف ، الشيخ الطوسي 1 : 327 ، مسألة 80 ، تذكرة الفقهاء 1 : 114.

19- وسائل الشيعة 4 : 781 ، كتاب الصلاة ، أبواب القراءة في الصلاة ، الباب 42 ، الحديث 6.

20- جواهر الكلام 9 : 331 - 319.

21- لم يوجد في الدروس الشرعية ، والتعبير من الشهيد الثاني ، روض الجنان : 373.

22- تذكرة الفقهاء 1 : 114 ، الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 229 - 230.

23- تذكرة الفقهاء 1 : 117.

24- وسائل الشيعة 4 : 752 ، كتاب الصلاة ، أبواب القراءة في الصلاة ، الباب 17.

25- الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 250.

26- صحيح مسلم 1 : 192 / 72 ، صحيح بخاري 1 : 369 / 739.

27- صحيح مسلم 1 : 189 ، كتاب الصلاة ، الباب 16 ، الحديث 62.

28- سنن أبي داود 1 : 309 / 932.

29- سنن الدارقطني 1 : 334 / 5.

30- تذكرة الفقهاء 1 : 118.

31- المائدة ( 5 ) : 2.

32- تذكرة الفقهاء 1 : 118.

33- الجامع لأحكام القرآن 1 : 128.

34- الصحاح 5 : 2072.

35- راجع الجامع لأحكام القرآن 1 : 128.

36- المصدر السابق 1 : 128 - 129.

37- راجع الجامع لأحكام القرآن 1 : 128.

38- راجع وسائل الشيعة 4 : 732 - 735 ، كتاب الصلاة ، أبواب القراءة في الصلاة ، الباب 1 و 2.

39- تفسير التبيان 1 : 46 ، انظر جواهر الكلام 10 : 7.

40- العلق ( 96 ) : 1.

41- البقرة ( 2 ) : 23.

42- انظر الجامع لأحكام القرآن 1 : 114 - 115 حول الإشكال والجواب المنقول عن ابن الأنباري.

43- الحجر ( 15 ) : 87.

44- التفسير الكبير 1 : 218.

45- انظر الإتقان في علوم القرآن 1 : 136.