الآيات 123-131
قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ، وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ، وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾
اخبر الله تعالى عن عاد - وقيل: هم قبيلة - انهم كذبوا من أرسلهم الله حين قال لهم أخوهم هود. قال الحسن: كان أخاهم من النسب دون الدين ﴿ ألا تتقون ﴾ الله باجتناب معاصيه إلى قوله ﴿ رب العالمين ﴾ وقد فسرنا نظائره. وقوله " تبنون بكل ريع آية " فالبناء وضع ساف على ساف إلى حيث ينتهي. والريع الارتفاع من الأرض، وجمعه آرياع وريعة قال ذو الرمة:
طراق الخوافي مشرق فوق ريعة * ندى ليلة في ريشه يترقوق (1)
ومنه الريع في الطعام، وهي الزيادة والنماء قال الأعشى:
وبهما قفر تجاوزتها * إذا خب في ريعها أألها
وفيه لغتان - فتح الراء، وكسرها - بمعنى المكان المرتفع، قال الفراء فيه لغتان ﴿ ريع، وراع ﴾ مثل زير، وزار قال أبو عبيدة هو الطريق بين الجبلين في ارتفاع. وقيل: هو الفج الواسع، وقال قتادة: معناه بكل آية طريق أي علامة " تعبثون " تلعبون، في قول ابن عباس. وقوله " وتتخذون " مصانع لعلكم تخلدون " قال المؤرج: لعلكم تخلدون: كأنكم تخلدون - بلغة قريش - وقال الفراء: معناه كيما تخلدون. قال مجاهد: المصانع أراد بها حصونا مشيدة. وقال قتادة: مآخذ للماء، وهو جمع مصنع، ويقال مصنعة لكل بناء. وقيل: إنهم كانوا يبنون بالمكان المرتفع البناء العالي، ليدلوا بذلك على أنفسهم، وزيادة قوتهم وليفاخروا بذلك غيرهم من الناس، وكانوا جاوزوا في ايجاد المصانع إلى الأسواق فنهوا عن ذلك، وقال الزجاج: المصانع المباني " لعلكم تخلدون " معناه تفعلون ذلك لكي تبقوا فيها مؤبدين " وإذا بطشتم بطشتم جبارين " فالبطش العسف قتلا بالسيف وضربا بالسوط - في قول ابن عباس - والجبار العالي على غيره بعظم سلطانه، وهو في صفة الله تعالى مدح، وفي صفة غيره ذم، فإذا قيل للعبد جبار فمعناه انه يتكلف الجبرية. والجبار في النحل ما فات اليد، وقال الحسن: بطش الجبرية هو المبارزة من غير ثبت ولا توقف، فذمهم الله بذلك، ونهاهم هود فقال " اتقوا الله " باجتناب معاصيه و " أطيعوني " فيما أدعوكم إليه، ولم يكن هذا القول تكرارا من هود لأنه متعلق بغير ما تعلق به الأول، لان الأول معناه، فاتقوا الله في تكذيب الرسل، وأطيعوني فيما أدعوكم إليه من اخلاص عبادته، والثاني فاتقوا الله في ترك معاصيه في بطش الجبارين وعمل اللاهين وأطيعوني في ذلك الامر الذي دعوتكم إليه.
1- تفسير القرطبي 13 / 123 والطبري 19 / 53.