الآيات 90-95

قوله تعالى: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ، وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ، مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ، فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ، وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ﴾

المعنى:

معنى " وأزلفت الجنة للمتقين " قربت لهم ليدخلوها " وبرزت الجحيم للغاوين " أي أظهرت الجحيم للعاملين بالغواية وتركهم الرشاد، يقال: برز يبرز بروزا، وأبرزه إبرازا، وبرزه تبريزا، وبارزه مبارزة، وتبارزا تبارزا. وفى رؤية الانسان آلات العذاب التي أعدت لهم عذاب عظيم، وألم جسيم للقلب فبروز الجحيم للغاوين بهذه الصفة. و (الغاوي) العامل بما يوجب الخيبة من الثواب: غوى الرجل يغوى غيا وغواية، وأغواه غيره إغواء، واستغواه استغواء واصله الخيبة قال الشاعر:

فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره * ومن يغو لا يعدم على الغي لائما (1)

ثم اخبر أنه يقال لهم، يعني للغاوين على وجه التوبيخ لهم والتقريع " أين ما كنتم تعبدون من دون الله " وإنما وبخوا بلفظ الاستفهام، لأنه لا جواب لهم عن ذلك إلا بما فيه فضيحتهم، كقولك أينما كنت تعبد من دون الله ؟! لا يخلصك من عقابه " هل ينصرونكم " ويدفعون عنكم العقاب في هذا اليوم " أو ينتصرون " لكم إذا عوقبتم!، فمن عبدها، فهو الغاوي في عبادته، لا يملك رفع الضرر عن نفسه، ولا عن عابده مع أنه لا حق به. ثم قال " فكبكبوا فيها " ومعناه كبوا إلا أنه ضوعف، كما قال " بريح صرصر " (2) أي صر. وقيل: جمعوا بطرح بعضهم على بعض - عن ابن عباس - وقال مجاهد: هووا " هم والغاون " أي وكب الغاوون معهم، وكب معهم " جنود إبليس " أي من اتبعه من ولده، وولد آدم. وقال أبو عبيدة (كبكبوا) معناه طرحوا فيها بعضهم على بعض جماعة جماعة. وقال المبرد: نكسوا فيها من قولهم: كبه الله لوجهه.


1- مر تخريجه في 2 / 312 و 4 / 391 و 5 / 548 و 6 / 366.

2- سورة 69 الحاقة آية 6.