الآيات 26-30
قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ، قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ، قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ، قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ، قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ﴾
قال لما قال فرعون لمن حوله " ألا تستمعون " إلى قول موسى فإنه يقول ربه رب العالمين الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما! معجبا لهم من قوله، قال موسى " ربكم " الذي خلقكم ويملك تدبيركم وخلق آباءكم الأولين، وملك تدبيرهم، وتدبير جميع الخلق. والأول الكائن قبل غيره والآخر الكائن بعد غيره، والكائن على صفة أول في كونه على تلك الصفة، نحو الأول في دخول الدار، فقال فرعون - عند ذلك حين لم يجد جوابا لكلام موسى - لقومه " إن رسولكم الذي ارسل إليكم لمجنون " يموه عليهم، اني اسأله عن ماهية رب العالمين فيجيبني عن غير ذلك، كما يفعل المجنون. والجنون داء يعتري النفس يغطي على العقل، وأصله الستر من قولهم: جنه الليل وأجنه إذا ستره بظلمته والجنة البستان الذي يجنه الشجر، فقال موسى عند ذلك ان الذي ذكرته انه " ربكم ورب آبائكم الأولين "... " هو رب المشرق والمغرب " فالمشرق الموضع الذي تطلع منه الشمس، والمغرب الموضع الذي تغرب فيه الشمس يقال: شرقت الشمس شروقا إذا طلعت، وأشرقت إشراقا إذا أضاءت وصفت. " وما بينهما إن كنتم تعقلون " ذلك وتتدبرونه، فلما طال على فرعون الاحتجاج من موسى تهدده " قال لئن اتخذت إلها غيري " يعني معبودا سواي " لأجعلنك " من المسجونين أي محبوسا من جملة المحبسين، فقال له موسى " أولو جئتك بشئ مبين " يعني بمعجزة تدل على صحة ما ادعيته تبينني من غيري والمعنى ان جئتك بشئ يدل على صدقي تحبسني ؟!