الآيات 131-134

قوله تعالى: ﴿وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا، وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً، إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا، مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾

لما ذكر الله قوله: وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته بين في هذه الآية بان له ملك ما في السماوات وما في الأرض، لا يتعذر عليه إغناء كل واحد من الزوجين عند التفرق، وإيناسه من وحشته ثم رجع إلى توبيخ من سعى في أمر بني أبيرق وتعنيفهم، ووعيد من فعل فعل المرتد منهم، فقال: ولقد وصينا أهل التوراة والإنجيل وهم الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أي وأمرناكم أيضا أيها الخلق " ان اتقوا الله " والتقدير بان اتقوا الله واحذروا أن تعصوه، وتخالفوا أمره ونهيه " وإن تكفروا " يعني تجحدوا وصيته إياكم أيها المؤمنون، فتخالفوها، " فان لله ما في السماوات وما في الأرض " يعني له ملك ما فيهما، فلا يستحضر بخلافكم وصيته ولا ان تكونوا أمثال اليهود والنصارى، بل تضرون أنفسكم بما يحل بكم من عقابه، وغضبه " وكان الله غنيا " لم يزل، غير محتاج إلى خلقه وإن الخلق هم المحتاجون إليه " حميدا " يعني مستوجب الحمد عليكم بصنائعه الحميدة إليكم، والائه الجميلة، فاستدعوا ذلك باتقاء معاصيه، والمسارعة إلى طاعته فيما يأمركم به وهذه الجملة مروية عن علي (عليه السلام) وهو قول جميع المفسرين، ثم قال: " ولله ما في السماوات وما في الأرض " بمعنى له ملك ما فيهما، وهو القيم بجميعه والحافظ له لا يغرب عنه علم شئ ولا يؤوده حفظه وتدبيره " وكفى بالله وكيلا " يعني كفى الله حافظا. فان قيل لم كرر قوله: " ولله ما في السماوات وما في الأرض " الآيتين، إحداهما عقيب الأخرى؟قلنا: لاختلاف الخبرين: الأول في الآية الأولى عن حاجة الخلق إلى بارئه، وغناه تعالى عن خلقه، وفي الثانية حفظ الله تعالى إياهم وعلمه بهم، وتدبيره لهم فان قيل: هلا قال: وكان الله غنيا حميدا أو كفى به وكيلا؟قيل: ما ذكره في الآية الأولى يصلح ان يختم به وصف الله تعالى بالغناء وأنه محمود، ولم يذكر فيها ما يقتضي وصفه بالحفظ والتدبير، فلذلك كرر قوله: " ولله ما في السماوات ". وقوله: " ان يشأ يذهبكم " معناه، ان يشأ الله أيها الناس ان يهلككم، ويفنيكم ويأت بقوم آخرين غيركم ينصرون نبيه محمد صلى الله عليه وآله ويؤازرونه، كان الله تعالى على ذلك قديرا، فوبخ تعالى بهذه الآيات الخائنين الذين خانوا الدرع (1) وساعدوهم على ذلك، ودافعوا عنهم وحذر أصحاب النبي صلى الله عليه وآله أن يكونوا مثلهم وان يفعلوا فعل المرتد منهم في ارتداده ولحاقه بالمشركين وبين أن من فعل ذلك لا يضر إلا نفسه، لأنه المحتاج إليه (تعالى) وغناه عنه (عز وجل) وعن جميع الخلق وروي عن النبي صلى الله عليه وآله انه لما نزلت هذه الآية ضرب بيده علي ظهر سلمان، فقال: هم قوم هذا رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله، ثم أخبر (تعالى) من كان ممن أظهر الايمان بمحمد صلى الله عليه وآله من أهل النفاق الذين يبطنون الكفر، ويظهرون الايمان. يريد ثواب الدنيا يعني عرض الدنيا باظهاره بلسانه في الايمان، " فعند الله ثواب الدنيا " يعني جزاؤه في الدنيا منها، وثوابه فيها هو ما يأخذ من الفئ والغنيمة إذا شهد مع المسلمين الحرب، وأمنه على نفسه وماله وذريته. وأما ثوابه في الآخرة فنار جهنم. " وكان الله سميعا بصيرا " يعني انه كان لم يزل على صفة يجب ان يسمع المسموعات إذا وجدت، ويبصر المبصرات إذا وجدت. وهذه الصفة هي كونه حيا لا آفة فيه والصفة حاصلة له في الأزل والآفات مستحيلة عليه، فوجب وصفه بأنه سميع بصير وإنما ذكر هاهنا ذلك، ليبين ان ما يقوله المنافقون إذا لقوا المؤمنين فان الله يسمعه ويعلمه وهو قولهم: إنا مؤمنون بصيرا بما يضمرونه وينطوون عليه من النفاق. وموضع كان في قوله: " من كان " جزم، لأنه شرط والجواب الفاء. وارتفعت (يريد) لأنه ليس فيها حرف عطف كما قال: " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم اعمالهم فيها " (2) وقال: " من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها " (3) جزم، لأنه جواب الشرط.

1- انظر تفسير آية (105) من سورة النساء.

2- سورة هود، آية 10.

3- سورة الشورى، آية 20.