الآية 101
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾
المعنى:
معنى قوله: (وإذا ضربتم في الأرض) إذا سرتم فيها فليس عليكم جناح يعني حرج ولا اثم ان تقصروا من الصلاة يعني من عددها فتصلوا الرباعيات ركعتين. وظاهر الآية يقتضي أن التقصير لا يجوز إلا إذا خاف المسافر، لأنه قال " ان خفتم أن يفتنكم " ولا خلاف اليوم أن الخوف ليس بشرط، لان السفر المخصوص بانفراده سبب للتقصير. والظاهر يقتضي ان التقصير جائز لا اثم فيه. ويقتضي ذلك أنه يجوز الاتمام، وعندنا وعند كثير من الفقهاء ان فرض المسافر مخالف لفرض المقيم، وليس ذلك قصرا، لاجماع أصحابنا على ذلك. ولما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: فرض المسافر ركعتان غير قصر. واما الخوف بانفراده فعندنا يوجب القصر. وفيه خلاف وقد روي عن ابن عباس أن صلاة الخائف قصر من صلاة المسافر. وانها ركعة ركعة. وقال قوم: معنى قوله: " ليس عليكم جناح أن تقصروا " يعني من حدود الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا. وهو الذي رواه أصحابنا في صلاة شدة الخوف. وأنه يصلي إيماء والسجود اخفض من الركوع. فإن لم يقدر فان التسبيح المخصوص يكفي عن كل ركعة. ثم أخبر تعالى أن الكافرين يعني الجاحدين لتوحيد الله ونبوة نبيه فقد أبانوا عداوتهم لكم بما صبتهم لكم الحرب على عبادتكم الله، وترككم عبادة الأوثان. وفي قصر الصلاة ثلاث لغات تقول: قصرت الصلاة أقصرها وهي لغة القرآن. وقصرتها تقصيرا، واقصرتها إقصارا. واختلف أهل التأويل في قصر الصلاة فقال قوم: هي قصر من صلاة الحاضر ما كان يصلي أربع ركعات أذن له في قصرها، فيصليها ركعتين. ذهب إليه يعلى ابن أمية، وعمر بن الخطاب. وان يعلى قال لعمر كيف نقصر الصلاة وقد أمنا فقال عمر: عجبت ما عجبت منه، فسألت النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك فقال: صدقة تصديق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته. وبه قال ابن جريج وقتادة. وفي قراءة أبي " وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا " ولا يقرأ " إن خفتم " ومعنى هذه القراءة الا يفتنكم الذين كفروا وحذف (لا) كما حذف في قوله: " يبين الله لكم أن تضلوا " (1) ومعناه ألا تضلوا. وقال قوم: القصر لا يجوز إلا مع الخوف روي ذلك عن عائشة، وسعد بن أبي وقاص. وقال قوم: عنى بهذه الآية قصر صلاة الخوف في غير حال المسابقة، وفيها نزلت. ذهب إليه مجاهد وغيره. وقال آخرون: عنى بها قصر الصلاة صلاة الخوف في حال غير شدة الخوف. وعنى به قصر الصلاة من صلاة السفر لا من صلاة الإقامة، لان صلاة السفر عندهم ركعتان تمام غير قصر، كما قلناه - ذهب إليه السدي، وابن عمر، وسعيد بن جبير، وجابر بن عبد الله، وكعب - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله قطعت يده يوم اليمامة وحذيفة بن اليمان، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وثعلبة ابن زهدم اليربوعي وكان من الصحابة - وأبو هريرة. وروي عن ابن عباس في رواية أخرى إن القصر المراد به صلاة شدة الخوف تقصر من حدودها وتصليها إيماء وهو مذهبنا. وأما حد السفر الذي يجب فيه التقصير فعندنا انه ثمانية فراسخ. وقال أبو حنيفة، وأصحابه: مسيرة ثلاثة أيام. وقال الشافعي ستة عشر فرسخا ثمانية وأربعين ميلا. وقال قوم: يجب في قليل السفر وكثيره. بينا الخلاف فيه في كتاب الخلاف. وإنما قال في الاخبار عن الكافرين انهم عدو، ولم يقل أعداء لان لفظة فعول وفعيل تقع على الواحد والجماعة، وفتنت الرجل أفتنه فهو مفتون لغة أهل الحجاز وتميم وربيعة. وأهل نجد كلهم وأسد يقولون: أفتنت الرجل فهو فاتن. وقد فتن فتونا: إذا دخل في الفتنة.1- سورة العنكبوت: آية 10.