الآية 100

قوله تعالى: ﴿وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إلى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾

أخبر الله تعالى في هذه الآية ان من يفارق وطنه، ويخرج من ارض الشرك وأهله هربا بدينه إلى أرض الاسلام وأهلها والمهاجر في سبيل الله يعني منهاج دين الله وطريقه الذي شرعه لخلقه يجد في الأرض مراغما كثيرا (يجد) مجزوم، لأنه جواب الشرط.

اللغة:

والمراغم المضطرب في البلاد والمذهب يقال منه: راغم فلان قومه مراغما ومراغمة قال الفراء: هما مصدران ومنه قول النابغة الجعدي:

كطود يلاذ بأركانه * عزيز المراغم والمهرب (1)

وقال الشاعر:

إلى بلد غير داني المحل * بعيد المراغم والمضطرب

والمراغم مأخوذ من الرغام وهو التراب ومعنى راغمت فلانا هجرته. ولم أبال رغم أنفه أي وان لصق بالتراب أنفه.

المعنى:

واختلف أهل التأويل في معناه، فقال ابن عباس: المراغم التحول من أرض إلى أرض وبه قال الضحاك، والربيع، والحسن، وقتادة، ومجاهد. وقال السدي يعني معيشة. وقال ابن زيد يعني مهاجرا. وقال ابن عباس يعني سعة في الرزق. وبه قال الربيع بن أنس والضحاك. وقال قتادة: سعة من الضلالة إلى الهدى. وقال يزيد بن أبي حبيب: ان أهل المدينة يقولون من خرج فاصلا من أهله يريد الغزو وجب سهمه لقوله: (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله) وقوله: " وسعة " يحتمل أمرين:

أحدهما: السعة في الرزق.

الثاني: السعة مما كان فيه من تضيق المشركين عليهم في أمر دينهم بمكة. ثم أخبر تعالى أن من خرج مهاجرا من أرض الشرك فارا بدينه إلى الله ورسوله وأدركه الموت قبل بلوغه دار الهجرة وأرض الاسلام " فقد وقع أجره على الله " يعني ثواب عمله وجزاء هجرته عليه تعالى " وكان الله غفورا " يعني ساترا على عباده ذنوبهم بالعفو عنهم " رحيما " بهم رفيقا.

النزول:

وقيل في سبب نزول الآية ان الله لما أنزل ان الذين " توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم " كتب المسلمون بالآيات وبعثوها إلى إخوانهم من أهل مكة فخرج حينئذ منها جماعة، فقالوا: لم يبق لنا عذر فهاجروا. وقال سعيد بن جبير وعكرمة والضحاك والسدي وابن زيد وابن عباس ورواه أبو الجارود عن أبي جعفر (ع) انها نزلت في ضمرة بن العيص بن ضمرة بن زنباع أو العيص بن ضمرة وكان مريضا فأمر أهله ان يفرشوا له على سريره ويحملوه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قال ففعلوا فأتاه الموت بالتغيم، فنزلت فيه الآية. وبه قال قتادة وقال: قال ضمرة وأنا أعرف الطريق ولي سعة في المال أخرجوني فأخرج، فمات. وقال عمر بن شبة: هو أبو أمية ضمرة بن حندب الخزاعي. وقال الزبير بن بكار: هو خالد بن حزام أخو حكيم بن حزام خرج مهاجرا فمات في الطريق. قال عكرمة وخرج جماعة من مكة مهاجرين فلحقهم المشركون وفتنوهم عن دينهم فافتتنوا، فأنزل الله فيهم " ومن الناس من يقول أمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله " (2) وكتب بها المسلمون من المدينة إليهم ثم نزل فيهم " ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا ان ربك من بعدها لغفور رحيم".


1- : آية 120، 121.

2- ديوانه: 22 ومجاز القرآن 1: 138 واللسان (رغم).