الآية 85

قوله تعالى: ﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا﴾

المعنى واللغة:

قيل في معنى الشفاعة ههنا قولان:

أحدهما: قال أبو علي: الشفاعة الحسنة: الدعاء للمؤمنين. والشفاعة السيئة: الدعاء عليهم، لان اليهود كانت تفعل ذلك فتوعدهم الله تعالى عليه. وقال الحسن، ومجاهد، وابن زيد: الشفاعة هي مسألة الانسان في صاحبه أن يناله خير بمسألته. وقال الأزهري معنى " من يشفع شفاعة حسنة " من يزد عملا إلى عمل. والشفع: الزيادة. سئل تغلب عن اشتقاق الشفعة، فقال: الزيادة وهو أن يشفعك في ما تطلبه حتى تضمه إلى ما عندك، فتشفعه أي تزيده بها إن كان واحدا، فضمت إليه ما زاد صار شفعا. وعندنا ان حقيقة الشفاعة هي المسألة في اسقاط الضرر. وإنما تستعمل في مسألة المنافع مجازا، لان أحدا لا يقول: إنا نشفع في النبي صلى الله عليه وآله إذا سألنا الله أن نزيد في كراماته، ولو كان الامر على ما قاله الحسن، ومجاهد، لكنا شافعين فيه. ووجه اتصال هذا الكلام بما تقدم، انه لما قيل " لا تكلف إلا نفسك " عقب ذلك بان لك مع هذا في دعاء المؤمنين إلى الحق ما للانسان في شفاعة صاحبه بخير يصل إليه، لئلا يتوهم ان العبد من أجل انه لا يؤخذ بعمل غيره، لا يتزيد فعله بعمل غيره.

الثاني: ان الشفاعة تصير الانسان شفعا لصاحبه في جهاد عدوه من الكفار. والكفل: قال الحسن، وقتادة: هو الوزر، وهو قول أبي جعفر (ع). وقال السدي، والربيع، وابن زيد: هو النصيب. ومنه قوله: " يؤتكم كفلين من رحمته " وأصل الكفل (1): المركب الذي يهيأ كالسرج للبعير من كسا، أخرق أو نحوه حول السنام. وإنما قيل كفل، واكتفل البعير، لأنه لم يستعمل الظهر كله. وإنما استعمل نصيب منه. وقال الأزهري: الكفل الذي لا يحسن ركوب الفرس. وأصله الكفل: وهو ردف العجز. ومنه الكفاية بالنفس، وبالمال. والكفل المثل. والمقيت: قيل في معناه خمسة أقوال: قال السدي، وابن زيد، والكسائي: هو المقتدر.

والثاني: قال ابن عباس، واختاره الزجاج: إنه الحفيظ.

والثالث: قال مجاهد: هو الشهيد.

والرابع: المقيت: الحسيب عنه.

الخامس: قال الجبائي: هو المجازي كأنه قال: وكان الله على كل شئ من الحسنات، والسيئات مجازيا. وأصل المقيت: القوت، قاته يقوته قوتا: إذا أعطاه ما يمسك رمقه. والمقيت: المقتدر لاقتداره على ما يمسك رمقه. يقال منها قات الرجل يقيت اقاتة حكاه الكسائي وينشد للزبير بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وآله: وذي ضغن كففت النفس عنه وكنت على مساءته مقيتا (2) فهذه لغة قريش. وقال كثير:

وما ذاك عنها عن نوال أناله * ولا انني منها مقيت على ود

أي مقتدر فاما قول اليهودي:

ألي الفضل أم علي إذا حوسبت * اني على الحساب مقيت (3)

قيل: ومعناه موقوف. أي كما أن من يحتاج إلى القوت موقوف على سد خلته. ويحتمل معنى مقيت أي مقتدر على الحساب بتوجيه إلى أنه لي أو علي بحسب عملي. وقال ابن كثير: المقيت الواصب وهو القائم على كل شئ بالتدبير. وأقوى الوجوه معنى المقتدر بدلالة البيت الذي للزبير بن عبد المطلب.


1- في المخطوطة (بالامر الفاصم).

2- في المطبوعة (وأهله) بدل (وأصل).

3- البيت مختلف في نسبته فقيل إنه لأبي قيس بن رفاعة. وقيل لاحيحة بن الجلات الأنصاري. اللسان (قوت) وطبقات فحول الشعراء: 242 - 243 والدر المنثور 2: 188.