الآية 79
قوله تعالى: ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا﴾
المعنى:
قال الزجاج: هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وآله. والمراد به الأمة. كما قال (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) (1) فان المراد به الأمة. وقال قوم: المخاطب به الانسان، كأنه قال: ما أصابك أيها الانسان - في قول قتادة، والجبائي -. وقيل في معنى الحسنة والسيئة ههنا قولان:
أحدهما: قال ابن عباس، والحسن: الحسنة ما أصابه يوم بدر من الظفر، والغنيمة. والسيئة ما أصابه يوم أحد من كسر رباعيته صلى الله عليه وآله، والهزيمة. وقال الجبائي: معناهما النعمة، والمصيبة. ويدخل في النعمة نعمة الدنيا، والدين. وفي المصيبة مصائب الدنيا، والدين إلا أن أحدهما من عمل العبد للطاعة، وما جر إليه ذلك العمل.
والآخر: من عمل العبد للمعصية وما جر إليه عمله لها. وهذا يوافق الأول الذي حكيناه عمن تقدم.
والثاني: ان الحسنة، والسيئة: الطاعة، والمعصية - ذكره أبو العالية، وأبو القاسم - ويكون المعنى ان الحسنة التي هي الطاعة بأقدار الله، وترغيبه فيها، ولطفه لها. والسيئة بخذلانه على وجه العقوبة له على المعاصي المقدمة. وسماه سيئة كما قال: " وجزاء سيئة سيئة مثلها " (2) والتقدير ما أصابك من ثواب حسنة فمن الله، لأنه الذي عرضك للثواب، وأعانك عليها. وما أصابك من عقاب سيئة فمن نفسك، لأنه تعالى نهاك عنها، وزجرك عن فعلها. فلما ارتكبتها كنت الجاني على نفسك. وإنما احتاج إلى التقدير، لان ما أصابك ليس هو ما أصبته. ويجوز أن يكون المراد بالسيئة ما يصيبهم في دار الدنيا من المصائب، لأنه لا يجوز أن يكون ذلك عقابا أو بعض ما يستحقونه. وقوله: " فمن نفسك " معناه فبذنبك في قول الحسن، وقتادة، والسدي، وابن جريج، والضحاك. قال البلخي: مصيبة هي كفارة ذنب صغير، أو عقوبة ذنب كبير. ويحتمل أن يكون المراد أو تأديب وقع لأجل تفريط. فان قيل: كيف عاب قول المنافقين في الآية الأولى، لما قالوا إذا أصابتهم حسنة انها من عند الله، وإذا إصابتهم سيئة، قالوا هذه من عندك. وقد أثبت مثله في هذه الآية؟قلنا عنه جوابان:
أحدهما: ان ذلك على وجه الحكاية. والتقدير يقولون: ما أصابك من حسنة، فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك. ويكون (يقولون) محذوفا، لدلالة سياق الكلام عليه.
الثاني: ان معناهما مختلف، فالأول عند أكثر أهل العلم ان المراد به النعمة، والمصيبة من الله تعالى. وفي الآية الثانية المراد به الطاعة، والمعصية. فلما اختلف معناهما، لم يتناقضا. ويكون وجه ذكر هذه الآية عقيب الأولى ألا يظن ظان ان الطاعات والمعاصي من فعل الله، لما قال في الآية الأولى: (قل كل من عند الله) وفي الآية دلالة على فساد مذهب المجبرة، لأنه تعالى قال: " فمن نفسك " فأضاف المعصية إلى العبد ونفاها عن نفسه تعالى. ولو كانت من خلقه، لكانت منه على أوكد الوجوه. ولا ينافي ذلك قوله في الآية الأولى " كل من عند الله " لأنا بينا وجه التأويل فيه. قال الرماني: وفي الآية دلالة على أنه تعالى، لا يفعل الألم إلا على وجه اللطف، أو العقاب دون العوض فقط، لان المصائب إذا كانت كلها من قبل ذنب العبد، فهي اما عقوبة، واما من قبل تأديب المصلحة. وقوله: (وأرسلناك للناس رسولا) معناه من الحسنة ارسالك يا محمد (صلى الله عليه وآله) ومن السيئة خلافك يا محمد صلى الله عليه وآله وكفى بالله شهيدا لك وعليك. والمعنى وكفى الله. وقوله: (ما أصابك من حسنة) معنى " من " هنا للتبيين ولو قال: إن أصابك من حسنة كانت زائدة لا معنى لها.
الاعراب والحجة:
(ورسولا) نصب بأرسلناك، وإنما ذكره تأكيدا لان أرسلناك دل على أنه رسول، " وشهيدا " نصب على التمييز، لأنك إذا قلت كفى الله ولم تبين في أي شئ الكفاية كنت مبهما. وقوله: " وما أصابك من سيئة فمن نفسك " دخلت الفاء في الجواب لان معنى (ما) من وادخل من على السيئة، لان ما نفي و (من) يحسن ان تزاد في النفي مثل ما جاءني من أحد.
1- سورة المائدة: آية 4.
2- سورة الطلاق: آية / 1.