الآية 60
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾
المعنى واللغة:
عجب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله في هذه الآية ممن يزعم أنه آمن بما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله، وما أنزل من قبله بان قال ألم ينته علمك إلى هؤلاء الذين ذكرنا وصفهم يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمرهم الله أن يكفروا به. وقال الحسن، والجبائي: نزلت الآية في قوم منافقين احتكموا إلى الأوثان بضرب القداح. وقد بينا معنى الطاغوت فيما تقدم. وقيل في معناه ههنا قولان:
أحدهما: أنه كاهن تحاكم إليه رجل من المنافقين، ورجل من اليهود هذا قول الشعبي، وقتادة. وقال السدي اسمه أبو بردة.
الثاني: قال ابن عباس، ومجاهد، والربيع، والضحاك: إنه كعب ابن الأشرف رجل من اليهود، فاختار المنافق التحاكم إلى الطاغوت، وهو رجل يهودي. وقيل: كعب بن الاشراف، لأنه يقبل الرشوة، واختار اليهودي التحاكم إلى محمد نبينا صلى الله عليه وآله لأنه لا يقبل الرشوة. ومعنى الطاغوت ذو الطغيان - على جهة المبالغة في الصفة - فكل من يعبد من دون الله فهو طاغوت، وقد تسمى به الأوثان كما تسمى بأنها رجس من عمل الشيطان، ويوصف به كل من طغى، بان حكم بخلاف حكم الله تعالى غير راض بحكمه تعالى. وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) أن الآية في كل من يتحاكم إلى من يحكم بخلاف الحق، و (زعم)، يحتاج إلى اسم، وخبر، " وانهم " في الآية نائب عن الاسم، والخبر، لأنها على معنى الجملة، ومخرج المفرد، وليس بمنزلة ظننت ذلك، لأنه على معنى المفرد ومخرج المفرد، لان قولك: زعمت أنه قائم يفيد ما يفيد هو قائم، وكذلك ظننت ذاك، لأنه يدل دلالة الإشارة إلى ما تقدر علمه عند المخاطب. وقوله: (ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا) يدل على بطلان قول المجبرة: إن الله تعالى يفعل المعاصي ويريدها، لان الله تعالى نسب إضلالهم إلى أنه بإرادة الشيطان على وجه الذم لهم، فلو أراد تعالى أن يضلهم بخلق الضلال فيهم، لكان ذلك أوكد وجوه الذم في إضلالهم. وأصل الضلال الهلاك بالعدول عن الطريق المؤدي إلى البغية، لأنه ضد الهدى الذي هو الدلالة على الطريق المؤدي إلى البغية، وله تصرف كثير يرجع إلى هذه النكتة ذكرناه فيما مضى. وأضله الله معناه: سماه الله ضالا أو حكم عليه به، كما يقال أكفره بمعنى سماه بالكفر، ولا يجوز أن يقال أكفره الله بمعنى أنه دعاه إلى الكفر، لأنه منزه عن ذلك، فتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.