الآية 59

قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾

المعنى:

هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين يأمرهم أن يطيعوه ويطيعوا رسوله ويطيعوا أولي الامر منهم، فالطاعة هي امتثال الامر. فطاعة الله هي امتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه. وطاعة الرسول كذلك امتثال أوامره وطاعة الرسول أيضا هي طاعة الله، لأنه تعالى أمر بطاعة رسوله، فمن أطاع الرسول، فقد أطاع الله كما قال " من يطع الرسول فقد أطاع الله " (1) فأما المعرفة بأنه رسول، فمعرفة بالرسالة ولا يتم ذلك إلا بعد المعرفة بالله، وليست إحداهما هو الأخرى، وطاعة الرسول واجبة في حياته وبعد وفاته، لان بعد وفاته يلزم اتباع سنته، لأنه دعا إليها جميع المكلفين إلى يوم القيامة، كما أنه رسول إليهم أجمعين. فاما أولو الامر، فللمفسرين فيه تأويلان:

أحدهما: قال أبو هريرة، وفي رواية عن ابن عباس، وميمون بن مهران، والسدي، والجبائي، والبلخي، والطبري: إنهم الامراء.

الثاني: قال جابر بن عبد الله، وفي رواية أخرى عن ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وعطاء، وأبي العالية: انهم العلماء. وروى أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) أنهم الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وآله فلذلك أوجب الله تعالى طاعتهم بالاطلاق، كما أوجب طاعة رسوله وطاعة نفسه كذلك. ولا يجوز ايجاب طاعة أحد مطلقا إلا من كان معصوما مأمونا منه السهو والغلط، وليس ذلك بحاصل في الامراء، ولا العلماء، وإنما هو واجب في الأئمة الذين دلت الأدلة على عصمتهم وطهارتهم، فاما من قال المراد به العلماء، فقوله بعيد، لان قوله (وأولي الأمر) معناه أطيعوا من له الامر، وليس ذلك للعلماء، فان قالوا: يجب علينا طاعتهم إذا كانوا محقين، فإذا عدلوا عن الحق فلا طاعة لهم علينا. قلنا: هذا تخصيص لعموم ايجاب الطاعة لم يدل عليه دليل. وحمل الآية على العموم، فيمن يضح ذلك فيه أولى من تخصيص الطاعة بشئ دون شئ كما لا يجوز تخصيص وجوب طاعة الرسول وطاعة الله في شئ دون شئ. وقوله: (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) فمعنى الرد إلى الله هو إلى كتابه والرد إلى رسوله هو الرد إلى سنته. وقول مجاهد، وقتادة، وميمون بن مهران، والسدي: والرد إلى الأئمة يجري مجرى الرد إلى الله والرسول، ولذلك قال في آية أخرى " ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم " (2) ولأنه إذا كان قولهم حجة من حيث كانوا معصومين حافظين للشرع جروا مجرى الرسول في هذا الباب. وقوله: (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) أي تصدقون بهما. (ذلك خير وأحسن تأويلا) ذلك إشارة إلى الرد إلى الله وإلى الرسول (وأحسن تأويلا) قال قتادة، والسدي، وابن زيد: أحمد عاقبة. وقال مجاهد: معناه أحسن جزاء. وهو من آل يؤول إذا رجع والمال المرجع والعاقبة مآل، لأنها بمنزلة ما تفرقت عنه الأشياء ثم رجعت إليه. وتقول: إلى هذا يؤول الامر أي يرجع. وقال الزجاج: أحسن من تأويلكم أنتم إياه من غير رد إلى أصل من كتاب الله وسنة نبيه، وهذا هو الأقوى، لان الرد إلى الله والرسول والأئمة المعصومين أحسن من تأويل بغير حجة. واستدل جماعة بهذه الآية على أن الاجماع حجة بأن قالوا: إنما أوجب الله الرد إلى الكتاب والسنة بشرط وجود التنازع، فدل على أنه إذا لم يوجد التنازع، لا يجب الرد، ولا يكون كذلك إلا وهو حجة، وهذا إن استدل به مع فرض أن في الأمة معصوما حافظا للشرع كان صحيحا، وإن فرضوا مع عدم المعصوم كان باطلا، لان ذلك استدلال بدليل خطاب، لا تعليق الحكم بشرط أو صفة لا يدل على أن ما عداء بخلافه عند أكثر المحصلين، فكيف يعتمد عليه ههنا، على أنهم لا يجمعون على شئ إلا عن كتاب أو سنة، فكيف يقال: إذا أجمعوا لا يجب عليهم الرد إلى الكتاب والسنة، وهم قد ردوا إليها على أن ذلك يلزم في كل جماعة، وإن لم يكونوا جميع الأمة إذا اتفقوا على شئ ألا يجب عليهم الرد إلى الكتاب والسنة، لان قوله: (فان تنازعتم) يتناول جماعة ولا يستغرق جميع الأمة، فعلم بذلك فساد الاستدلال بما قالوه. وقد بينا الكلام على ذلك مستوفى في العدة في أصول الفقه.

1- سورة المرسلات آية 31 - 32.

2- سورة النساء: آية ث 79.