الآية 58

قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾

المعنى:

قيل في المعني بهذه الآية ثلاثة أقوال:

أولها: ما قال ابن عباس، وأبي بن كعب، والحسن، وقتادة، وهو المروي عن أبي جعفر (ع)، وأبي عبد الله (ع): إن كل مؤتمن على شئ يلزمه رده.

الثاني: قال زيد بن أسلم، ومكحول، وشهر بن حوشب: إن المراد به ولاة الامر وهو اختيار الجبائي، وروي ذلك عن أبي جعفر أيضا وأبي عبد الله (ع) وقالوا: أمر الله الأئمة كل واحد منهم أن يسلم الامر إلى من بعده، وعلى الوجه الأول يدخل هذا فيه، لان ذلك من جملة ما ائتمنه الله عليه. ولذلك قال أبو جعفر (ع): إن أداء الصلاة والزكاة والصوم والحج من الأمانة، ويكون الامر للآمر بأداء الأمانة من الغنائم والصدقات، وغير ذلك مما يتعلق به حق الرعية.

الثالث: قال ابن جريج: نزلت في عثمان بن طلحة. أمر الله تعالى نبيه أن يرد إليه مفاتيح الكعبة، والمعتمد هو الأول، وإن كان الأخير روي أنه سبب نزول الآية، غير أنه لا يقصر عليه.

اللغة والمعنى:

تقول: أديت الشئ أؤديه تأدية، وهو المصدر الحقيقي، ولو قلت: أديت أداء كان جائزا يقام الاسم المصدر. ويقال: أدوات للصيد آدو له أدوا: إذا ختلته، لتصيده. وأدى اللبن يأدي: إذا حمض. وقوله: " وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " أمر الله تعالى الحكام بين الناس أن يحكموا بالعدل لا بالجور " ان الله نعما يعظكم به " معناه نعم الشئ شيئا يعظكم الله به من أداء الأمانة وكتبت (ما) في (نعما) موصولة، لأنها بمنزلة الكافي في (إنما)، و (ربما)، غير أنها في نعما اسم يعود إليه الضمير في (به) فتقديره نعم شيئا يعظكم به أو نعم وعظا يعظكم به، ولا يجوز إسكان العين مع الميم في نعما لأنه جمع بين ساكنين، ولكن يجوز اختلاس الحركة من غير اشباع الكسرة، كالاختلاس في " يأمركم " وبارئكم " وعلى هذا تحمل قراءة أبي عمر. وقال الزجاج: اجتماع الساكنين فيه ينكره جميع البصريين. والسميع: هو من كان على صفة يجب لأجلها أن يسمع المسموعات إذا وجدت والبصير من كان على صفة يجب لأجلها أن يبصر المبصرات إذا وجدت. والسامع هو المدرك للمسموعات. والمبصر هو المدرك للمبصرات. ولذلك يوصف تعالى فيما لم يزل بأنه سميع بصير، ولا يوصف بأنه سامع مبصر إلا بعد وجود المبصرات والمسموعات. وقوله: (إن الله سميعا بصيرا) اخبار بأنه كان سميعا بصيرا فيما مضى. وذلك يرجع إلى كونه حيا لا آفة به فإذا كان لا يجوز خروجه عن كونه حيا، فلا يجوز خروجه عن كونه سميعا بصيرا.